قال المصنف رحمه الله تعالى: [عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، قالت عائشة أو بعض أزواجه: إنا لنكره الموت، قال: ليس ذاك، ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحب إليه مما أمامه، فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا حضر بشر بعذاب الله وعقوبته، فليس شيء أكره إليه مما أمامه، فكره لقاء الله وكره الله لقاءه)].
هذا الحديث صدره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:(من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه) وقد أختلف العلماء في معنى (من) هنا، فذهب بعضهم إلى أنها خبرية، وهذا بعيد عند الأكثرين، وقال الآخرون: إن الأسلوب أسلوب شرط على أصله، لكنه ينبغي أن يعرف أن ما بعد هذا الأسلوب الشرطي هو الذي يبين الحديث، وعلى هذا سنشرح هذا الحديث شرحاً عاماً ولا نتوقف عند بعض ألفاظه؛ لأن ألفاظه من حيث الجملة واضحة.
فالله جل وعلا خلق الموت، فهو خلق من خلق الله، وقد قدمه الله جل وعلا في القرآن على الحياة:{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ}[الملك:١ - ٢]؛ قالوا: حتى يقهر به خلقه، فلهذا قدم الموت على الحياة، وقيل: إن الأصل الفناء فلهذا قدم، لكن الأول أظهر.
وهذا الموت حتم لازم لا بد أن يقع، والإنسان إذا مات قامت قيامته، وكان بعثه الأول، أي: في حياة البرزخ، وأصبح مطلاً على أهوال الآخرة.
والموت كما هو معلوم حتم لازم، والموت والحياة ضدان ونقيضان لا يجتمعان، كما لا يجتمع النور والظلمة، والله جل وعلا جعل له أجلاً لا يطلب به ولا يدفع عنه، {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا}[آل عمران:١٤٥].