وقد ترجم الإمام البخاري رحمه الله لهذا الباب بقوله: باب: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)، ترجم له بنفس المتن، وقصد البخاري، بترجمة الباب بنفس المتن أن يشير إلى ما وقع عند بعض الحفاظ من أنهم رأوا أن هذا الحديث موقوف على ابن عمر، فلما جعل متن الحديث هو عنوان الباب أراد أن يشير إلى ثبوت أن الحديث مرفوع عنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
ومعلوم أن البخاري رحمة الله تعالى عليه كان فقيهاً جداً، وقد ظهر للناس في زمانه وبعده فقه البخاري في تراجم الأبواب وكيف يصنعها، فدلت على دقة فقهه، كما دلت على دقة حفظه، وهذا نظيره في الأدب صنيع أبي تمام في ديوان الحماسة فديوان الحماسة، ديوان جمع فيه أبو تمام الشعر، واختار فيه مقطوعات شعرية ليست من شعره، فهو ليس ديوانه، وإنما اختياره.
فأعجب الناس باختيارات أبي تمام، وكذلك البخاري هنا في قضية ترجمته للأبواب فإنها تدل على دقة فقهه رحمه الله تعالى، وأما الحديث فهو وصية نبوية تدعو إلى عدم الركون إلى الدنيا، وحتى لا يركنن ابن آدم إلى الدنيا قال النبي صلى الله عليه وسلم في وصيته هذه لـ ابن عمر:(كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)(أو) هذه مشكلة: هل هي للشك، أو للتخيير، أو للإضراب؟ اتفقت كلمة الشراح على أنها ليست للشك، وهي تقع للشك نحوياً، لكن اتفقت كلمة الشراح على أنها هنا ليست للشك، فبقي حالان: إما للتخيير وإما للإضراب، فإن قلنا للتخيير فيصبح المعنى أن النبي يقول لـ ابن عمر فليكن حالك في الدنيا كحال الغريب أو كحال عابر السبيل أياً كان منهما، فكل منهما لا يركن للبلد الذي هو فيه، لكننا نقول: إن الاختيار أنها تكون للإضراب ومعنى الإضراب، الانتقال، فيصبح المعنى أنه قال له أولاً:(كن في الدنيا كأنك غريب)، ثم أراد أن يرتفع به منزلة أعلى في الزهد فقال له:(أو عابر سبيل).