[بشارة الله لمريم بعيسى عليه السلام]
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى.
ثم مضت الآيات البينات تخبر عن هذه البيوت العظام، قال الله جل وعلا: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ * إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران:٤٤ - ٤٦].
لم يختلف أهل الأرض على أحد كما اختلفوا في عيسى ابن مريم عليه السلام، فقد زعمت اليهود أنها صلبته وقتلته، وزعمت النصارى أنه صلب وأنه ابن الله تعالى الله عما يقولون، وذهبت هذه الأمة وهو الحق على أنه عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، بشرت الملائكة مريم ابنة عمران بعيسى، فقالت تلك المرأة متعجبة بعد أن أخبر الله أن هذا العبد سيرزق التكليم: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ} [آل عمران:٤٦]، وهذه كرامة لأمه؛ لأن بكلامه دفع الريبة عن أمه، وتكليمه الناس في حال طفولته نفع للعباد؛ لأنه سيدعوهم إلى عبادة الله وتوحيده، ويبين لهم الدين بأكمله، فقالت تلك المرأة تخاطب ربها في أدب جم على قدر ما أعطيت من علم: {قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران:٤٧].
أيها المؤمنون! الأمور ثلاثة: أولها: ما لا يكون بالله، ولا يمكن أن يكون ما لا يكون بالله أبداً، فشيء لم يقدره الله لا يمكن أن يقع.
والأمر الثاني: ما يكون لغير الله، فهذا لا يثبت ولا يبقى ولا يدوم، قال الحي القيوم: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان:٢٣].
والأمر الثالث رزقني الله وإياكم إياه: أمر يكون بالله ولله، فهذا الذي يثبت ويدوم، فإن ذهبت في الدنيا عينه، بقيت في الآخرة آثاره، قال الله جل وعلا: {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ} [آل عمران:١١٥].
ولا ريب أنه ينبغي لمن ازداد علماً بالله أن يزداد علماً بالشرع نفسه، فيعبد الله على بينة من الأمر، ويعلم أن الله لا أحد أعظم منه، لا تطيب الدنيا إلا بذكره، ولا تطيب الآخرة إلا بعفوه، ولا تطيب الجنة إلا برؤيته، قال جل ذكره، وتبارك اسمه، يمدح ذاته العلية: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ * وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ * وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الروم:٢٥ - ٢٧].
اللهم إنا نسألك قلوباً تعرفك وتحبك، اللهم إنا نسألك قلوباً تعرفك وتعبدك وتحبك على الوجه الذي شرعت.
ألا وصلوا وسلموا على خير من أحبه الله وخير من أحب الله، قال الله جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:٥٦]، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم وارض عن أصحاب نبيك أجمعين، أخص اللهم منهم الأربعة الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، اللهم وارحمنا معهم بمنك وكرمك يا ذا الجلال والإكرام! اللهم اغفر لنا في جمعتنا هذه أجمعين، اللهم اغفر لنا في جمعتنا هذه أجمعين، اللهم وفق ولي أمرنا بتوفيقك، وأيده بتأييدك، اللهم وفقه لهداك، واجعل عمله في رضاك، اللهم وارزق بلادنا الأمن والإيمان يا ذا الجلال والإكرام! وزدها اللهم بركة وخيراً ورخاء يا ذا الجلال والإكرام! اللهم وانشر خيراتك على بلاد المسلمين كلها يا حي يا قيوم! وارفع الضر واللأواء عن إخواننا في فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال يا رب العالمين! اللهم إنا نسألك الهدى والتقى، والعفاف والغنى، والفوز بالجنة، والنجاة من النار، اللهم إن لنا في أجواف المقابر آباء وأمهات، وإخواناً وأخوات، وجيران وجارات، اللهم آنس في تلك البقاع وحشتهم، وارحم اللهم تحت الثرى غربتهم، وارحمنا اللهم إذا صرنا إلى ما صاروا إليه.
عباد الله! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.