قال:{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا}[الكهف:٧٩]، إن العاقل الأريب والمؤمن هو الذي يرتكب الضرر الأدنى حتى يدفع به الضرر الأعظم، وإن الخضر عليه السلام يعلم أن بقاء السفينة ملكاً للمساكين يقتاتون منها رغم ما فيها من عيب خير لهم من أن يفقدوا سفينتهم بالكلية، وبالتالي لا تجر عليهم رزقاً، ولا تأتي لهم بأجرة.
قال:{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا}[الكهف:٧٩]، فلما فرغ من بيان أمر السفينة بدأ ببيان أمر الغلام، قال:{وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا}[الكهف:٨٠]، والإنسان لا يملك بين جنبيه أعظم من إيمانه بربه تبارك وتعالى، فالإيمان بالله هو المنجي في عرصات يوم القيامة، ولئن يفقد هذان الأبوان ابنهما وهما في حاجة ماسة دنيوية إليه فيكون سبباً إذا كبر في كفرهما خير لهما من أن يبقى ثم يكون في بقائه كفرهما وبعدهما عن الله جل وعلا، فحفظ الله لهما دينهما بضياع شيء من دنياهما، وكل مصيبة تعظم إذا كانت في الدين أعاذنا الله وإياكم من ذلك، ثم أماط اللثام عن الأمر الثالث فقال:{وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ}[الكهف:٨٢]، واليتيم -أيها المؤمنون- عني به القرآن أعظم عناية، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول اليتامى قدراً: ذكرت باليتم في القرآن تكرمة وقيمة اللؤلؤ المكنون في اليتم قال الله جل وعلا له: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى}[الضحى:٦]، فقد منعه الله من حنان أمه وأبيه حتى لا يتعلق صلى الله عليه وسلم بأحد غير الله، فقد أراده الله جل وعلا لنفسه، واصطنعه ربه تبارك وتعالى لذاته العلية، فنشأ صلوات الله وسلامه عليه يتيماً لم ير أباه، وماتت أمه وهو ابن ست سنين، والمقصود من هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على رعايتهم -أي: أهل اليتم- فقال:(أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة، وقرب بين أصبعيه السبابة والوسطى).