قال المصنف رحمه الله:[وضده تزاحم المفاسد يرتكب الأدنى من المفاسد] كذلك إذا تعارضت المفاسد وتزاحمت فإنا نرتكب الأدنى منها ونجتنب الأعلى، ولذا فإن النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين من حديث أنس بن مالك: أنه لما بال الأعرابي في المسجد فزجره الناس، نهاهم النبي عليه الصلاة والسلام، وذلك لتعارض مفسدتين، الأولى: البول في المسجد فينجس.
المفسدة الثانية: أن يحبس بوله فيتضرر، يعني: يلحق بدنه الضرر، وكذلك أيضاً قد ينتشر هذا في المسجد لأنه يقوم وتنتقل النجاسة إلى مواضع أخرى من المسجد.
فنهاهم النبي عليه الصلاة والسلام من باب الوقوع في المفسدة الصغرى، فإذا تعارضت عندنا مفسدتان قدمنا المفسدة الصغرى في الوقوع، فنقع في المفسدة الصغرى ونجتنب المفسدة الكبرى.
ومن ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام:(لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لهدمت الكعبة وبنيتها على قواعد إبراهيم)، متفق عليه.
فهنا عندنا مفسدة، وهي بقاء الكعبة فيها نقص من الجهة التي فيها حجر إسماعيل، فإن قريشاً قصرت بهم النفقة فقصروا البناء من جهة حجر إسماعيل، فالنبي عليه الصلاة والسلام أراد أن يهدم الكعبة ويبنيها على قواعد إبراهيم كاملة؛ لكنه خشي مفسدة أعظم، وهي أن يرتد الناس عن الإسلام لأنهم كانوا حديثي عهد بكفر.