[قاعدة العفو عن الإكراه]
وذكر أيضاً الإكراه؛ والإكراه على نوعين: النوع الأول: إكراه ملجئ: بحيث يكون المكره كالآلة.
فلو أن رجلين رفعا رجلاً قهراً ورمياه على نائم فقتله، فهو هنا كالآلة، أي: كأنه حجر، فنقول: هذا كالآلة فلا إثم عليه ولا ضمان، وهذا هو الإكراه الملجئ.
النوع الثاني: الإكراه غير الملجئ: وهو أن يكره على فعل أو قول بالتهديد له أو لولده أو لوالده أو لصاحبه، ويغلب على ظنه أن هذا المهدد ينفذ ما هدده به.
كأن يقول له: إما أن تفعل كذا أو أقتلك، أو أقطع طرفك، أو أسجنك، أو أجلدك، فيهدده بشيء يغلب على ظنه أنه يقدر على التنفيذ، فهذا هو الإكراه غير الملجئ.
وهذا النوع يختلف حكمه باختلاف المسائل وباختلاف نوع ما أكره به: فإذا أكره رجل على أن يسب الله وقيل له: إما أن تسب الله وإما أن نقتلك، وهو يخشى أن ينفذوا ذلك، فله أن يسب وقلبه مطمئن بالإيمان.
لكن لو قيل له: إما أن تسب الله والرسول وإلا جلدناك عشرة أسواط، فهذا لا يعد إكراهاً.
ولو قيل له وهو رجل ذو شرف ومكانة في المجتمع: إما أن تطلق امرأتك وإما أن نذهب بك إلى مجتمع الناس ونجلدك ثلاثة أسواط، فهذا يعد إكراهاً في مثله؛ لأنه رجل شريف، لا يتحمل أن يضرب سوطاً أمام الناس.
ولو أن رجلاً قال لامرأته: إما أن تكتبي هذا البيت باسمي أو أطلقك، فهذا يعد إكراهاً؛ لأن الطلاق أشد من ضرب السياط على ظهرها، فلها أن تطالب بحقها في هذا البيت لأنها مكرهة.
لو أن رجلاً شريفاً ذا مكانة في الناس قيل له: إما أن تهب لنا كذا وكذا وإلا نشهر بك في الجريدة، فهذا يعد إكراهاً بالنسبة له.
إذاً: الإكراه يختلف باختلاف المسائل، فننظر إلى المسألة وننظر إلى نوع الإكراه، ويقرر هل يعد هذا إكراهاً أم لا بحسب المسألة: هذا رجل قيل له: إما أن تسب الدين أو نؤخر دخولك إلى هذه البلد عشر ساعات، فهذا ليس بإكراه.
وإن كان قد أكره على أن يقتل أحداً أو أن يقطع طرفه أو أن يجرحه، فنقول: هذا يأثم، وعليه الضمان، لأن المكلف ليس له أن ينقذ نفسه بهلكة غيره.
لكن لو قيل له: إما أن تحرق مزرعة فلان أو نقطع يدك، فأحرق المزرعة نقول: الضمان على من أكرهه، لأن له أن يفدي نفسه من قطع اليد ومن القتل بإتلاف مال غيره، ويكون الضمان على من أكرهه.