قال المصنف رحمه الله:[ومتلف مؤذيه ليس يضمن بعد الدفاع بالتي هي أحسن] أي: من أتلف شيئاً آذاه فإنه لا يضمن؛ لأن هذا من باب دفع الصائل.
مثال: إذا صال عليك جمل فقتلته فلا ضمان عليك، لأن هذا من باب دفع الصائل الذي يصول على النفوس والأموال.
فالذي يصول على النفوس والأموال يدفع بالأسهل فالأسهل، ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم لرجل قال له:(يا رسول الله! أرأيت إن جاء رجل يريد أن يأخذ مالي؟ قال: فلا تعطه، قال: فإن قاتلني؟ قال: فقاتله، قال: فإن قتلته؟ قال: فهو في النار، قال: فإن قتلني؟ قال: فأنت في الجنة).
إذاً: الصائل يدفع بالأسهل فالأسهل حتى لو وصل ذلك إلى القتل، أما إذا كان يكفي التهديد فليدفعه بالتهديد، وإذا كان لا يكفي دفعه بما هو فوق كالضرب ثم الجرح إلى القتل، فيدفعه بالأسهل فالأسهل، هكذا يدفع الصائل.
لو أنك كنت في سفينة وكان هناك متاع فوق فوقع عليك فدفعته بيدك فوقع في البحر فلا تضمن؛ لأنه قد صال عليك.
لكن لو أنك قد تأذيت من شيء فأتلفت شيئاً آخر لتدفع أذى غيره، فهنا عليك الضمان، ولذا فإن من حلق شعره ليدفع عنه أذى القمل فعليه فدية لأن الشعر لم يؤذه وإنما آذاه القمل، فدفع القمل بإزالة شعره.
لكن لو أن شعرة نزلت على عينه وأزالها بيده فلم تذهب فآذته فنتفها فلا فدية عليه؛ لأنها مؤذية.
كذلك لو انكسر ظفره بشيء فآذاه فقلمه فلا شيء عليه، لأن الظفر هنا هو المؤذي.
إذاً: إذا دفع شيئاً لشيء آخر قد آذاه فإن عليه الضمان، وأما إذا دفع هذا المؤذي نفسه فإنه لا ضمان عليه.