أما الرسائل فكانت في صدر الإسلام موجزة بليغة، بعيدة عن الصنعة وإعنات القريحة. ولكنها اختلفت كثيرا في أواخر الدولة الأموية إذ أطالوها وتعمدوا التنميق-، فظهرت فيها الصنعة والكلفة. والبادئ بذلك هو عبد الحميد الكاتب، زعيم الطبقة الثانية من الكتاب.
[الخط فيه]
انتشرت الكتابة في هذا العصر وكان الباعث على انتشارها حاجة الدين إليها، وانتقال الدواوين من الفارسية والرومية والقبطية إلى العربية بعد أن أستوثق الأمر واستكمل النظام.
وأول ما كتب بالعربية القرآن خاليا من الإعجام، حتى فشا اللحن فوضع له (أبو الأسود الدؤلي) علامات الإعراب في أواخر الكلمات. ثم جاء (نصر بن عاصم) وبعده (الخليل بن أحمد) فتمما بقية الإعجام.
وكان المستعمل في ذلك العصر من الخط نوعين أحدهما (الحزم) المسمى بعد بالكوفي، كان يستعمل كتابة المصاحف وما يطلب تجويده، وثانيهما أصل خط (النسخ) ، وكان يستعمل في الكتابة العادية كالرسائل ونحوها.
[العلوم والمعارف فيه]
لقد كان حظ العلوم من هذا العصر حظ الشعر منه، فما كانوا يعرفون منها إلا ما كان ضروريا موروثا كالطب. وما كاد يستتب لهم الأمر في أواخر الدولة الأموية حتى صرفوا للعلم وجوههم وفتحوا له صدورهم، فترجموا كثيرا من كتب العلم والصناعة، ودونوا الحديث، واستبطوا الأصول، ووضعوا شيئا في التاريخ وعلوم العربية. ولا ينسى التاريخ ما للخلائف من بني أمية من عظم الطول وجزيل الفضل على اللغة وأشعارها وأخبارها فقد حفظوا كيانها وجملوا بيانها بما نفثوه من سحر كلامهم وبدائع أقلامهم.
[اللغة في عصر الدولة العباسية]
بزغ هلال الدولة العباسية، وألوية الممالك العربية خفاقة ما بين الهند والصين، والمسلمون مبثوثون في الأرض، يستعمرون ويستثمرون، واللغة مشاركتهم في الانتشار والنمو. فاتسعت دائرتها باصطلاحات العلوم والفنون، وزهت آدابها بزهو النهضة العلمية، وكثر المتكلمون بها، فكثر فيها الدخيل، وزاد اللحن والتحريف. وما كاد ينتصف عليها القرن الرابع حتى أخذ بدرها في الأفول، وغصنها في الذبول، لتغلب العجم على الممالك العربية. فلولا القرآن وما دون بها من العلوم لانمحى رسمها، وخفي اسمها.
[النثر والنظم فيه]
لقد كان رقي النثر في هذا العصر عظيما، إذ دونوا به ما وضعوه وما نقلوه من العلوم، وصرفوه في أنواع الرسائل والتحرير، وكثير ما هي في عصر الحضارة والمدنية. ولم يغض منه ما دخله من التكلف، فقد كان مستترا بحسن السبك وإحكام الصنعة، ولكنه ضعف بضعف الخلافة. فأكثر الكتاب حينئذ من السجع ونحوه، ولهوا بالألفاظ عن المعاني، حتى ألفوا بعض كتبهم مسجعة كتاريخ (العتبي) وغيره. وأشهر كتاب هذا العصر (الجاحظ) و (ابن العميد) و (الصابي) و (الخوارزمي) و (البديع) و (الحريري) .
أما النظم فقد أثرت حضارة الدولة في خواطر شعرائها، فجالوا في الشعر جولة لم تتوفر أسبابها لأسلافهم. فلقد تفننوا فيه، وتصرفوا في معانيه بقوة نادرة، ورقة ظاهرة، لما علق بالنفس وأثر في الحس من آثار الأمم التي تغلبوا عليها، ومظاهر المدنية التي توصلوا إليها. وما زال الشعر آخذا مأخذه من الصعود حتى تجرم القرن الثالث ففقد تأثيره، وأخذ عدد الشعراء يقل، حتى انتهوا (بالطغرائي) . هم خلف من بعدهم خلف أجادوه وإن لم يبلغوا شأوهم وكان خاتمتهم (صفي الدين الحلي) .
وشعراء هذا العصر يسمون بالمولدين. وشعرهم يمتاز بالسلاسة والنفاسة وجمع الكثير من التشبيه والمجاز والكناية.
ولا سيما المتأخرون منهم فقد أوغلوا في ذلك حتى لا تقرأ لهم إلا ألفاظا منمقة دونها معنى مرذول، أو غلو مملول.
وأشهر شعراء هذا العصر (أبو نواس) و (أبو تمام) و (البحتري) و (المتنبي) و (الشريف الرضي) و (أبو العتاهية) و (المعري) و (أبو فراس) و (الطغرائي) .
الكتابة فيه