للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم إنه لما فسدت ملكة اللسان العربي في الحركات المسماة عن أهل النحو (بالإعراب) ، واستنبطت القوانين لحفظها - كما قدمنا - استمر ذلك الفساد بملابسة العجم ومخالطتهم، حتى تأدى الفساد إلى موضوعات الألفاظ. فاستعمل كثير من كلام العرب في غير موضوعه عندهم ميلا مع هجنة المتعربين في اصطلاحاتهم المخالفة لصريح العربية. فاحتيج إلى حفظ الموضوعات اللغوية بالكتابة والتدوين، خشية الدروس وما ينشأ عنه من الجهل بالقرآن والحديث ومنثور العرب ومنظومهم. فشمر كثير من أئمة اللسان لذلك، وأملوا فيه الدواوين. وكان سابق الحلبة في ذلك (الخليل بن أحمد الفراهيدي) ألف فيها كتاب (العين) ثم جاء (أبو بكر الزبيدي) فاختصره مع المحافظة على أصله. وألف (الجوهري) كتاب (الصحاح) . ثم اختصره (الرازي) وسماه (مختار الصحاح) . وألف (ابن سيده) كتاب (المحكم) . ثم لخصه (محمد ابن أبي الحسين) صاحب (المنتصر) من ملوك (الدولة الحفصية) في (تونس) وكتب فيها (الزمخشري) كتابه (الأساس) في مجاز اللغة. وألف (الثعالبي) كتابه (فقه اللغة) . وألف (الفيروزابادي) كتابا عظيما. ثم اختصره بكتابه المعروف باسم (القاموس) . وألف (ابن منظور) كتابه (لسان العرب) المشهور. وألف كثير غيرهم. ثم ألف المعاصرون كتبا في اللغة منهم المعلم (بطرس البستاني) ألف (محيط المحيط، وقطر المحيط) . والمعلم (سعيد الشرتوني) ألف (أقرب الموارد) . والمعلم (جرجس همام) ألف (معجم الطالب) . والأب (أنطون المعلوف) ألف (المنجد) . وقد بلغني أن الأستاذ (الشيخ طاهرا الجزائري) ألف كتابا نفيسا فيها وهو يريد أن يمثله بالطبع منذ مدة ليست بالقصيرة. فعسى أن الهمة العالية التي نعرفها فيه تحدوه إلى إظهاره خدمة لهذه اللغة الشريفة.

[البيان والأدب]

ثم لما أخذ الفساد يدب في أساليب اللغة والإنشاء حدت الهمة بالعلماء إلى وضع كتب ترشد إلى معرفة الأساليب الصحيحة. وكانت هذه المسائل مبعثرة في كتب العلماء كالإمام (سيبويه) وغيره. وأقدم من أقدم على تخليص ذلك وابتكار غير الموجود وتدوينه الإمام (عبد القادر الجرجاني) في كتابيه (أسرار البلاغة) و (دلائل الإعجاز) . الأول في (البيان) والثاني في (المعاني) . ثم تهافت العلماء على التأليف في هذا الموضوع وتلخيص ما كتبه عبد القاهر وترتيبه وتبويبه. غير أن أكثرهم قد جعل ذلك قواعد نظرية، حتى أخرجه عن معنى البلاغة والأساليب الصحيحة. وكتابا (عبد القاهر) لا يشق لهما غبار، وهما خير ما أخرج للناس، لمن أراد أن يكون بليغا علما وعملا.

ولمؤلف هذا الكتاب كتاب جليل سماه (علم الأدب العربي) جمع فيه بين طريقة (عبد القاهر) وطريقة غيره. وأودعه علوم البلاغة، والإنشاء، والخطابة والعروض، وقرض الشعر، وما يتبع ذلك من فنون الأدب. غير أنه لم يطبع بعد.

ثم لما فترت الهمم عن تلقي منثور العرب ومنظومهم. أخذ العلماء يدونون أخبار العرب وأحاديثهم وأشعارهم. ونكتهم وما يتبع ذلك من وجوه الأدب التي لا غنى غنها للمتأدبين.

وقد قالوا: إن أركان الأدب أربعة دواوين وهي (أدب الكاتب) لابن قتيبة، و (الكامل) للمبرد، و (البيان والتبيين) للجاحظ، و (النوادر) لأبي علي القالي البغدادي. ونحن نزيد عليها كتاب (الأغاني) لأبي فرج الأصبهاني ذلك الكتاب الممتع.

[العروض وقرض الشعر]

وقد وضع (الخليل بن أحمد الفراهيدي) موازين للشعر مستقرئا بذلك ما قاله العرب. وقد استدرك عليه غيره بحرا من بحورها وهو المعروف بالبحر (المتدارك) .

ثم أخذ العلماء في التأليف في هذا الموضوع وجعلوه علما نظريا. وقد ألف مؤلف هذا الكتاب في ذلك كتابا سهل التناول سماه (الثريا المضية، في الدروس العرضية) .

ثم حدث علم (قرض الشعر) بعد أن فسدت ملكة أسلوب الشعر العربي. وهو علم ذو قواعد تعرف من له سليقة بكيفية نظم الشعر ومحاسنه وعيوبه. وأفضل من ألف في ذلك (ابن رشيق) ألف كتاب (العمدة) و (ابن هلال العسكري) ألف كتاب (الصناعتين) .

العرب الذين أخذت عنهم اللغة

<<  <   >  >>