للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

"شداد جده غلب على اسم أبيه، وإنما هو عنترة بن عمرو بن شداد". وقال غيره "شداد عمه تكفاه بعد موت أبيه ونشأ في حجره فنسب إليه".

ويلقب (عنترة) بالفلحاء، فيقال (عنترة الفلحاء) .

وكنت أمه أمة حبشية يقال لها (زبيبة) وكان لها أولاد عبيد عن غير شداد، وكانوا أخوة عنترة لأمه.

وكان أبوه قد نفاه (وكان العرب في الجاهلية إذا كان لأحدهم ولد من أمة استعبده) ثم ادعاه بعد الكبر واعترف به وألحقه بنسبه. وكانت العرب تفعل ذلك: تستعبد بني الإماء، فإن أنجبوا اعترفوا بهم، وإلا بقوا عبيدا.

وكان سبب ادعاء أبيه إياه أن بعض أحياء العرب أغاروا على (بني عبس) فأصابوا منهم واستاقوا إبلا فتبعهم (العبسيون) فلحقوهم فقاتلوهم عما معهم، و (عنترة) يرمئذ فيهم، فقال له أبوه: "كر يا عنترة" فقال عنترة: "العبد لا يحسن الكر، إنما يحسن الحلاب والصر" فقال: "كر وأنت حر. فكر، وقاتل يومئذ قتالا حسنا فادعاه أبوه بعد ذلك وألحقه بنسبه.

وقيل: إن السبب في هذا أن عبسا أغاروا على طيء فأصابوا نعما، فلما أرادوا القسمة قالوا لعنترة: لا نقسم لك نصيبا مثل أنصبائنا، لأنك عبد. فلما طال بينهم الخطب كرت عليهم طيء فاعتزلهم عنترة، وقال: "دونكم القوم، فإنكم عددهم". واستنقذت طيء الإبل، فقال له أبوه: "كر يا عنترة" فقال: "أو يحسن العبد الكر؟ " فقال له أبوه: "العبد غيرك" فاعترف به، فكر واستنقذ النعم.

وكان عنترة أحد أغربة العرب في الجاهلية، وهم ثلاثة: (عنترة وخفاف ابن ندبة السلمي (وندبة أمه) والسليك بن سلكة) .

[أخلاقه وشجاعته]

هو من الشعراء الفرسان. وكان شاعر بني عبس وفارسهم المشهور. وكان جريئا شديد البطش. وكان مع شدة بطشه لين الطباع، حليما، سهل الأخلاق، لطيف الحاضرة. وكان من أشد أهل زمانه وأجودهم بما ملكت يداه. وكان سمحا، أبي النفس، لا يقر على ضيم ولا يغمض على قذى. ولما أنشد للنبي صلى الله عليه وسلم قوله:

ولقد أبيت على الطوى وأظله ... حتى أنال به كريم المأكل

قال عليه الصلاة والسلام: "ما وصف لي أعرابي قط فأحببت أن أراه إلا عنترة"-.

قال (الهيثم بن عدي) : قيل لعنترة: أنت أشجع العرب وأشدها. قال: لا. قيل: فبماذا شاع لك هذا في الناس؟. قال: كنت أقدم إذا رأيت الإقدام عزما، وأحجم إذا رأيت الإحجام حزما. ولا أدخل موضعا إلا أرى لي منه مخرجا. وكنت أعتمد الضعيف الجبان فأضربه الضربة الهائلة يطير لها قلب الشجاع، فأثني عليه فأقتله".

وحدث (عمر بن شبة) قال: قال عمر بن الخطاب للحطيئة: "كيف كنتم في حربكم. قال: كنا ألف فارس حازم. قال: وكيف يكون ذلك؟ قال: كان (قيس بن زهير) فينا وكان حازما فكنا لا نعصيه، وكان فارسنا (عنترة) فكنا نحمل إذا حمل ونحجم إذا أحجم، وكان فينا (الربيع بن زياد) وكان ذا رأي فكنا نستشيره ولا نخالفه، وكان فينا (عروة بن الورد) فكنا نأتم بشعره. فكنا كما وصفت لك. فقال عمر: صدقت".

وقد بلغ من الشجاعته أن قومه (بني عبس) غزوا (بني تميم) وعليهم (قيس بن زهير) ، فانهزمت بنو عبس، وطلبتهم بنو تميم، فوقف لهم عنترة، ولحقتهم كوكبة من الخيل، فحامى عنترة عن الناس، فلم يصب مدبر. وكان (قيس بن زهير) سيدهم، فساءه ما صنع (عنترة) يومئذ فقال حين رجع: "ما حمى الناس إلا ابن السوداء" وكان (قيس) أكولا فبلغ (عنترة) ما قال قيس بن زهير، فقال يعرض به:

بكرت تخوفني الحتوف كأنني ... أصبحت عن غرض الحتوف بمعزل

فأجبتها: إن المنية منهل، ... لا بد أن أسقى بكأس المنهل

فاقني حياءك ... لا أبالك

واعلمي

أني امرؤ سأموت إن لم أقتل

إن المنية لو تمثل مثلت ... مثلي، إذا نزلوا بضنك المنزل

إني امرؤ من خير عبس منصبا ... شطري، وأحمي سائري بالمنصل

وإذا الكتيبة أحجمت وتلاحظت ... ألفيت خيرا من معم مخول

والخيل تعلم والفوارس أنني ... فرقت جمعهم بضربة فيصلي

إذ لا أبادر في المضيق فوارسي، ... ولا أوكل بالرعيل الأول

إن يلحعوا أكرر، وإن يستلحموا ... أشدد، وإن يلفوا بضيق أنزل

والخيل ساهمة الوجوه، كأنما ... تسقى فوارسها نقيع الحنظل

ولقد أبيت على الطوى وأظله ... حتى أنال به كريم المأكل

<<  <   >  >>