للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا؟ ... وبت كما بات السليم مسهدا

ولكن، هو الدهر (الذي هو خائن) ... إذا أصلحت كفاي عاد فأفسدا

ومنها يقول في ناقته:

فآليت لا أرثي لها من كلالة، ... ولا من حفى، حتى تزور محمدا

متى ما تناخي عند باب ابن هاشم ... ترحي، وتلقي من فواصله يدا

نبي يرى ما لا ترون وذكره ... أغار لعمري في البلاد، وأنجدا

له صدقات ما تغب، ونائل ... وليس عطاء اليوم مانعه غدا

أجدك، لم تسمع وصاة محمد ... نبي الإله، حين أوصى وأشهدا:

إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى، ... ولاقيت بعد الموت من قد تزودا

ندمت على أن لا تكون كمثله، ... فترصد للأمر الذي كان أرصدا

وللأعشى أخبار كثيرة وشعر غزير. وقد اكتفينا من ذلك بما قدمناه - وسترى في معلقته من الشعر ما يدهش ويعجب.

[معلقته وسبب نظمها]

معلقته قد جمعت رقة التشبيب، ورونق التشبيه، وروائع الفخر، وشديد الحماسة، في لفظ جزل، وأسلوب رائع. وهي قصيدة غراء، تملك القلوب، وتسترق الأسماع، وتأسر الأفهام.

وذكروا في سبب نظمها أن رجلا من (بني كعب بن سعد بن مالك) يقال له (ضبيع) قتل رجلا من (بني همام) يقال له (زاهر بن سيار) من (بني ذهل بن شيبان) فهم قومه بقتل (ضبيع) فنهاهم (يزيد ابن مسهر) . أن يقتلوه به (وكان ضبيع مطروقا ضعيف العقل) وقال: اقتلوا به (سعيدا) من (بني سعد بن مالك) وحض (بني سيار) على ذلك وأمرهم به. وبلغ (بني قيس) - وهم عشيرة سعيد - ما قاله (يزيد بن مسهر) . فقال (الأعشى) هذه القصيدة يأمره أن يدع (بني سيار) و (بني كعب) ، ولا يعين (بني سيار) . فإنه إن أعانهم أعانت بنو قيس بني كعب.

[نخبة من معلقته]

ودع هريرة، إن الركب مرتحل ... وهل تطيق وداعا أيها الرجل؟

غراء، فرعاء، مصقول عوارضها ... تمشي الهوينا، كما يمشي الوجي الوحل

كأن مشيتها من بيت جارتها مر ... السحابة: لا ريث ولا عجل

ليست كمن يكره الجيران طلعتها ... ولا تراها لسر الجار تختتل

يكاد يصرعها ... لولا تشددها،

إذا تقوم إلى جاراتها

الكسل

إذا تقوم يضوع المسك أصورة ... والزنبق الورد من أردانها شمل

ما روضة من رياض الحزن معشبة، ... خضراء، جاد عليها مسبل هطل

يضاحك الشمس منها كوكب شرق، ... مؤزر بعميم النبت، مكتهل

يوما بأطيب منها نشر رائحة، ... ولا بأحسن منها إذ دنا الأصل

قالت هريرة لما جئت زائرها: ... ويلي عليك، وويلي منك يا رجل

إما ترينا حفاة لا نعال لنا، ... إنا كذلك ما: نحفى وننتعل

وبلدة مثل ظهر الترس، موحشة، ... للجن بالليل في حافاتها زجل

جاوزتها بطليح، جسرة، سرح، ... في مرفقيها

إذا استعرضتها

فتل

بل هل ترى عارضا قد بت أرمقه،=كأنما البرق في حافاته شعل

له رداف، وجوز مفأم عمل، ... منطق بسجال الماء، متصل

لم يلهني اللهو عنه ... حين أرقبه

ولا اللذاذة في كأس، ولا شغل

فقلت للشرب في درنا ... وقد ثملوا

:

شيموا وكيف يشيم الشارب الثمل

أبلغ يزيد بني شيبان مألكة: ... أبا ثبيت، أما تنفك تأتكل؟

ألست منتهيا عن نحت أثلتنا؟ ... ولست ضائرها ما أطت الإبل:

كناطح صخرة يوما ليوهنها، ... فلم يضرها، وأوهى قرنه الوعل

تغري بنا رهط مسعود وإخوته ... يوم اللقاء، فتردي ثم تعتزل

لا تقعدن وقد أكلتها حطبا، ... تعوذ من شرها يوما، وتبتهل

سائل بني أسد عنا، فقد علموا ... أن سوف يأتيك من أنبائنا شكل

وأسأل قشيرا وعبد الله كلهم ... واسأل ربيعة عنا كيف نفتعل؟

إنا نقاتلهم، حتى نقتلهم ... عند اللقاء، فهم جاروا، وهم جهلوا

لئن قتلتم عميدا لم يكن صددا ... لنقتلن مثله منكم، فنمتثل

لئن منيت بنا عن غب معركة ... لا تلفنا عن دماء القوم ننتقل

لا تنتهون (ولن ينهى ذوي شطط ... كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل)

حتى يظل عميد القوم مرتفقا، ... يدفع بالراح عنه نسوة عجل

<<  <   >  >>