للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكان موته سنة (٦٢٩) لميلاد المسيح، وسنة (٧) لهجرة الرسول. صلوات الله عليهما.

[الكلام على شعره]

هو أحد الأعلام من شعراء الجاهلية وفحولهم. وقد تقدم على سائرهم. وليس ذلك بمجمع عليه لا فيه ولا في غيره. وقد سئل (أبو يونس النحوي) : من أشعر الناس؟ فقال: "لا أومئ إلى رجل بعينه"، ولكني أقول: "امرؤ القيس إذا غضب، والنابغة إذا رهب، وزهير إذا رغب والأعشى إذا طرب" قال (أبو عبيدة) : "من قدم الأعشى يحتج بكثرة طواله الجياد وتصرفه في المديح والهجاء وسائر فنون الشعر، وليس ذلك لغيره". ويقال: هو أول من سأل بشعره وانتجع به أقاصي البلاد.

وقدم على (كسرى) مرة فسمعه ينشد قوله:

أرقت وما هذا لسهاد المؤرق؟، ... وما بي من سقم، وما بي من معشق

فقال: "ما يقول هذا العربي؟ " ففسروا له قوله. فقال: إذن فهو لص".

وقد روي عنه أنه قال: "أتيت (النعمان) فأنشدته:

إليك ... أبيت اللعن

كان كلالها،

تروح مع الليل البهيم، وتغتدي

حتى أتيت على آخرها. فخرج إلى ظهر (النجف) فرآه قد اعتم بنباته من أصفر وأحمر وأخضر، وإذا فيه من هذه الشقائق ما لم ير مثله. فقال: ما أحسن هذا. احموه". فسمي بشقائق النعمان.

وكان (أبو عمرو بن العلاء) يعظم محل الأعشى ويقول: شاعر مجيد كثير الأعاريض والافتتان، وإذا سئل عنه وعن (لببيد) قال: "لبيد رجل صالح، والأعشى رجل شاعر" وروي أن (عبد الملك) قال لمؤدب أولاده: "أدبهم بشعر الأعشى، فإنه - قاتله الله - ما كان أعذب بحره وأصلب صخره". وقال (المفضل) : "من زعم أن أحدا أشعر من الأعشى فليس يشعر الشعر". وقال (أبو عبيدة) : "الأعشى رابع الشعراء المتقدمين: امرئ القيس والنابغة وزهير". وقال (يحيى بن الجون العبدي) رواية (بشار) "نحن حاكة الشعر في الجاهلية والإسلام. ونحن أعلم الناس به: أعشى بني قيس أستاذ الشعراء في الجاهلية، و (جرير الخطفي) أستاذهم في الإسلام".

وروي عن (الشعبي) أنه قال: "الأعشى أغزل الناس في بيت، وأخنث الناس في بيت، وأشجع الناس في بيت. فأما أغزل بيت فقوله:

غراء، فرعاء، مصعول عوارضها. ... تمشي الهوينا، كما يمشي الوجي الوحل

وأما أخنث بيت فقوله:

قالت هريرة لما جئت زائرها: ... ويلي عليك، وويلي منك، يارجل

وأما أشجع بيت فقوله:

قالوا: الطراد، فقلنا: تلك عادتنا، ... أو تنزلون، فإنا معشر نزل

حدث (يحيى بن متى) رواية الأعشى (وكان نصرانيا عباديا معمرا) قال: كان (الأعشى) قدريا، وكان (لبيد) مثبتا. قال لبيد:

من هداه سبل الخير اهتدى ... ناعم البال، ومن شاء أضل

وقال الأعشى: -

إستأثر الله بالوفاء ...

وبالعدل، وولى الملامة الرجلا

قال: وقد أخذ الأعشى مذهبه هذا من العباديين نصارى الحيرة: كان يأتيهم يشتري منهم الخمر فلقنوه ذلك.

وكان (الأعشى) فحلا من فحول الشعراء. وكان العرب لا تعد الشاعر فحلا حتى يأتي ببعض الحكمة في شعره. فلم يعدوا امرأ القيس فحلا حتى قال:

والله أنجح ما طلبت به، ... والبر خير حقيبة الرحل

وكانوا لا يعدون النابغة فحلا حتى قال:

نبئت أن أبا فراس أوعدني ... ولا قرار على زأر من الأسد

وكانوا لا يعدون زهيراً فحلا حتى قال:

ومهما تكن عند امرئ من خليقة ...

وإن خالها تخفى على الناس

تعلم

وكانوا لا يعدون الأعشى فحلا حتى قال:

قلدتك الشعر يا سلامة ذا ... فائش والشيء حيث ما جعلا

ومن شعره قوله يهجو (علقمة بن علاثة) الذي تقدم ذكره:

علقم، ما أنت إلى عامر ... الناقض الأوتار، والواتر

إن تسد الحوص فلم تعدهم ... وعامر ساد بني عامر

ساد وألفى قومه سادة ... وكابرا سادوك عن كابر

ومن شعره قوله يفتخر بيوم ذي قار (وكان يوما للعرب على الفرس) :

لو أن كل معد كان شاركنا ... في يوم ذي قار، ما أخطاهم الشرف

لما أمالوا إلى النشاب أيديهم ... ملنا ببيض، فظل الهام تقتطف

وخيل بكر فما تنفك تطحنهم ... حتى تولوا، وكاد اليوم ينتصف

أما قصيدته التي مدح بها النبي صلى الله عليه وسلم فمطلعها:

<<  <   >  >>