لا يحرم السائل أن جاءه، ... ولا يعفي سيبه العاذل
الطاعن الطعنة يوم الوغى ... يذهل منها البطل الباسل
[معلقته وسبب نظمها]
معلقة عبيد بائية من مجزوء البسيط، ووزنها: "مستفعلن فاعلن مفعولن". وأكثرها جاءت على وزن مخلع هذا البحر، وذلك باستعمال "مفعولن" على وزن "فعولن" وذلك مستملح في مجزوء البسيط. غير أن جملة من أبياتها جاءت فيه "مفعولن" على وزن "مستفعلن". وذلك غير جائز في البسيط المجزوء الذي عروضه على وزن "مفعولن" وفيها كثير من الأبيات مختلة الوزن. وقد أشار (أبو العلاء المعري) إلى اختلال بائية (عبيد) بقوله:
وقد يخطىء الرأي امرؤ وهو حازم، ... كما اختل في وزن القريض عبيد
نقول: "والغالب أن ذلك من سوء الرواية. وإلا فعبيد أجل من أن يقع في مثل ذلك.
ومعلقته هذه قد جمعت ضروبا من الحكمة والموعظة والوصف. وذلك أكثر ما فيها. وهي مسبوكة سبكا جميلا. وربما ضاع حسن سبكها، وبليغ تركيبها، وجميل حكمتها بهذا البحر الذي اختاره لتسييرها فيه. لأنه بحر ضل فيه كثير من خائضيه قديما وحديثا.
أما السبب الذي دعاه إلى نظمها على ما يظهر فليس إلا خواطر من الحكمة والعظة جاشت في نفسه فظهرت على أسلة لسانه. والله أعلم.
[نخبة من معلقته]
إقفر من أهله ملحوب ... فالقطبيات، فالذنوب
وبدلت منهم وحوشا، ... وغيرت حالها الخطوب
أرض توارثها الجدوب، ... فكل من حلها محروب
إما قتيلا، وإما هلكا ... والشيب شين لمن يشب
عيناك دمعهما سروب، ... كأن شأنيهما شعيب
واهية، أو معين معن ... من هضبة دونها لهوب
تصبو، وأنى لك التصابي؟ ... أنى، وقد راعك المشيب؟
فكل ذي نعمة مخلوس ... وكل ذي أمل مكذوب
وكل ذي إبل موروث ... وكل ذي سلب مسلوب
وكل ذي غيبة يؤوب ... وغائب الموت لا يؤوب
أعاقر مثل ذات رحم؟ ... أو غانم مثل من يخيب؟
من يسأل الناس يحرموه ... وسائل الله لا يخيب
بالله يدرك كل خير ... والقول في بعضه تلغيب
والله ليس له شريك، ... علام ما أخفت القلوب
أفلح بما شئت قد يبلغ ...
بالضعيف، وقد يخدع الأريب
لا يعظ الناس من لا يعظ ...
الدهر ولا ينفع التلبيب
ساعد بأرض تكون فيها، ... ولا تقل: إنني غريب
والمرء ما عاش في تكذيب، ... طول الحياة له تعذيب