وقريش كانت أشهر قبائلهم. وقد بلغت في القرن السادس من الميلاد المسيحي مبلغا عظيما من الشرف وعلو الهمة، وقد آلت إليها رياسة البيت الحرام، وكان لها نوع من السلطنة والمشورة على جميع قبائل العرب.
وكان التقدم في قريش لبني لؤي وكان سيدهم (قصيا) لما كان له فيهم من الشرف والقرابة والثروة والأولاد، وقد تولى رياسة الكعبة سنة (٤٤٠) بعد المسيح، وكان منه بنو (عبد مناف) وكان القائم بأمرهم (هاشما) ثم ابنه (المطلب) ثم أخاه (عبد المطلب) ثم أخاه (عبد المطلب) جد النبي عليه السلام.
وهناك طبقة خامسة نشأت بعد حضارة الإسلام إلى يومنا هذا، وهم العرب المستعجمة الذين فسدت لغتهم على تمادي الأيام بسبب مخالطتهم غير العرب، وقد مر عليهم أدوار انقرض فيها ما كان لهم من الدولة والسطوة في الجاهلية والإسلام. وهم قبائل عظيمة، وشعوب كثيرة، يسكنون الخيام ويجولون في البراري. وأشهرهم قبيلة (عنزة) و (صخر) و (سباعة) وغيرها.
وقد دخل كثير من العرب المدن، وسكنوا حواضر البلاد بعد الإسلام، واختلطوا بأهل البلاد الشامية والمصرية والمغربية، حتى صار يعد كل من تكلم العربية من أهل هذه البلاد عربيا.
قال بعض المعاصرين: "وإننا بناء على ما نراه في شرق الأرض وغربها وفي جزائر البحار أيضا من انتعاش اللغة العربية ونهضتها نأمل أنه سيكون في زمن غير بعيد للذين يكتبون بعدنا في هذا الشأن أن يعدوا للعرب طبقة يسمونها (العرب العائدة) أي الذين عادوا إلى التكلم بالعربية الفصحى". ونحن نقول: حقق الله ذلك.
[ممالك العرب قبل الإسلام]
كانت ممالك العرب قبل الإسلام منقسمة إلى دول كبيرة وممالك صغيرة، فالدول الكبيرة ثلاث: أولها اليمن: وكان مقر ملوكها "صنعاء" وأول من ملك منهم "قحطان بن عابر" و"عابر" هو "هود" عليه السلام على بعض الأقوال. وخلفه على ملك اليمن "٢٨" ملكا ثم انتقل الملك منهم إلى الدولة الثانية.
وأول من ملك منها "تبع الأول ابن الأقرن". وخلفه عشرون ملكا آخرهم "ذو جدن الحميري" الذي تغلب عليه "أرباط" قائد جيش "النجاشي" ملك الحبشة سنة "٥٢٩م" واستولى على مملكته وضمها إلى مملكة الحبشة. وكان "أرباط" المذكور يزدري الضعفاء ويكلفهم ما لا يطيقون من المشاق، فجزعوا لذلك وانتموا إلى "أبرهة" أحد رؤساء الجيش فأخذ بناصرهم وتحارب مع "أرباط" وقتله. وقام بالأمر بعده.
وبعد موته ملك ابنه "يكسوم" ثم أخوه "مسروق" فاستخلصها منه "سيف بن ذي يزن" بمساعدة "كسرى أنو شروان" وبعد موته تغلب عليها "كسرى" وبقيت تحت سلطته إلى سنة "٦٣٤ م" حتى فتحت بالإسلام. وكان العامل عليها حينئذ "باذن" الذي أسلم في عهد النبي عليه الصلاة والسلام.
الثانية المناذرة: ملوك العراق، وكان مقر ملكهم "الحيرة" وهي قريبة من "الكوفة". وكانوا عمالا للأكاسرة على عرب العراق. وأول من ملك على العرب بأرض الحيرة "مالك بن فهم"، وينتهي نسبه إلى قحطان "وكان ملكه في أيام ملوك الطوائف قبل الأكاسرة" ثم ملك بعده أخوه "عمرو بن فهم" ثم ابن أخيه "جذيمة بن مالك بن فهم" ثم غيره إلى تمام "٢٦" ملكا ثم انتزعها "خالد بن الوليد" عقب الفتح الإسلامي من آخر ملوكها "المنذر بن النعمان" الثالثة الغسانية: ملوك الشام، وعددهم "٣٢" ملكا وكانوا عمالا لقياصرة الروم على عرب الشام. وأول ملوكهم "جفنة بن عمرو بن ثعلبة" وآخرهم "جبلة بن الأيهم" وقد أسلم في خلافة أمير المؤمنين "عمر بن الخطاب" رضي الله عنه سنة "١٦هـ-".
وفي هذه السنة خرج "عمر" إلى الحج فحج "جبلة" معه فبينما "جبلة" طائف إذ وطى رجل من "فزارة" إزاره، فلطمه "جبلة" فهشم أنفه. فأقبل الفزاري إلى "عمر" وشكاه فأحضره "عمر" وقال: "افتد نفسك وإلا أمرته أن يلطمك". فقال "جبلة": كيف ذلك؟، وأنا ملك وهو "سوقة". فقال "عمر": "إن الإسلام جمعكما وسوى بين الملك والسوقة في الحد" فقال "جبلة": "أتنصر". فقال "عمر": "إن تنصرت ضربت عنقك" فقال: "أنظرني ليلتي هذه" فأنظره. فلما جاء الليل سار "جبلة" بخيله ورجله إلى الشام. ثم سار إلى "القسطنطينية". وتبعه خمسمائة رجل من قومه فتنصروا عن آخرهم. وفرح "هرقل" بهم وأكرمه.
ثم ندم "جبلة" على فعله ذلك وقال:
تنصرت الأشراف من عار لطمة ... وما كان فيها لو صبرت لها ضرر