للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

دلّ على كَلَامه أَيْضا كَمَا قد بَين فِي مَوضِع آخر وَإِن كَانَ الْمَشْهُور عَنهُ تَقْدِير ذَلِك وبالصاع كالتمر وَالشعِير

وَقد تنَازع الْعلمَاء فِي الْأدم هَل هُوَ وَاجِب أَو مُسْتَحبّ على قَوْلَيْنِ وَالصَّحِيح أَنه إِن كَانَ يطعم أَهله بأدم أطْعم الْمَسَاكِين بأدم وَإِن كَانَ إِنَّمَا يُطعمهُمْ بِلَا أَدَم لم يكن عَلَيْهِ أَن يفضل الْمَسَاكِين على أَهله بل يطعم الْمَسَاكِين من أَوسط مَا يطعم أَهله

وعَلى هَذَا فَمن الْبِلَاد من يكون أَوسط طَعَام أَهله مدا من حِنْطَة كَمَا يُقَال عَن أهل الْمَدِينَة وَإِذا صنع خبْزًا جَاءَ نَحْو رطلين بالعراقي وَهُوَ بالدمشقي خَمْسَة أَوَاقٍ وَخَمْسَة أَسْبَاع أُوقِيَّة فَإِن جعل بعضه أدما كَمَا جَاءَ عَن السّلف كَانَ الْخبز نَحوا من أَرْبَعَة أَوَاقٍ وَهَذَا لَا يَكْفِي أَكثر أهل الْأَمْصَار فَلهَذَا قَالَ جُمْهُور الْعلمَاء يطعم فِي غير الْمَدِينَة أَكثر من هَذَا إِمَّا مدان أَو مد وَنصف على قدر طعامهم فيطعم من الْخبز إِمَّا نصف رَطْل بالدمشقي وَإِمَّا ثلثا رَطْل وَإِمَّا رَطْل وَإِمَّا أَكثر وَإِمَّا مَعَ الْأدم وَإِمَّا بِدُونِ الْأدم على قدر عَادَتهم فِي الْأكل فِي وَقت

فَإِن عَادَة النَّاس تخْتَلف بالرخص والغلاء واليسار والإعسار وتختلف بالشتاء والصيف وَغير ذَلِك

وَإِذا حسب مَا يُوجِبهُ أَبُو حنيفَة خبْزًا كَانَ رطلا وَثلثا بالدمشقي فَإِنَّهُ يُوجب نصف صَاع عِنْده ثَمَانِيَة أَرْطَال وَأما مَا يُوجِبهُ من التَّمْر وَالشعِير فَيُوجب صَاعا ثَمَانِيَة أَرْطَال وَذَلِكَ بِقدر مَا يُوجِبهُ الشَّافِعِي سِتّ مَرَّات وَهُوَ بِقدر مَا يُوجِبهُ أَحْمد بن حَنْبَل ثَلَاث مَرَّات

وَالْمُخْتَار أَن يرجع فِي ذَلِك إِلَى عرف النَّاس وعادتهم فقد يجزىء فِي بلد مَا أوجبه أَبُو حنيفَة وَفِي بلد مَا أوجبه أَحْمد وَفِي بلد آخر مَا بَين هَذَا وَهَذَا على حسب عَادَته عملا بقوله تَعَالَى {من أَوسط مَا تطْعمُونَ أهليكم}

وَإِذا جمع عشرَة مَسَاكِين وعشاهم خبْزًا أَو أدما من أَوسط مَا يطعم أَهله أَجزَأَهُ ذَلِك عِنْد أَكثر السّلف وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَغَيرهم وَهُوَ أظهر الْقَوْلَيْنِ فِي الدَّلِيل فَإِن الله تَعَالَى أَمر بِالْإِطْعَامِ لم يُوجب التَّمْلِيك وَهَذَا إطْعَام حَقِيقَة وَمن أوجب التَّمْلِيك احْتج بحجتين

إِحْدَاهمَا أَن الطَّعَام الْوَاجِب مُقَدّر بِالشَّرْعِ وَلَا يعلم إِذا أكلُوا أَن كل وَاحِد يَأْكُل قدر حَقه

وَجَوَاب الأولى أَنا لَا نسلم أَنه مُقَدّر بِالشَّرْعِ وَإِن قدر أَنه مُقَدّر بِهِ فَالْكَلَام إِنَّمَا هُوَ إِذا أشْبع كل وَاحِد مِنْهُم غداء وعشاء وَحِينَئِذٍ فَيكون قد أَخذ كل وَاحِد قدر حَقه وَأكْثر وَأما التَّصَرُّف بِمَا شَاءَ فَالله تَعَالَى لم يُوجب ذَلِك إِنَّمَا أوجب الْإِطْعَام وَلَو أَرَادَ ذَلِك لأوجب مَالا

<<  <  ج: ص:  >  >>