للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

للتخصيص وهما اسْم الْعَلِيم الْحَكِيم

وَقَوله {وَمَا تشاؤون إِلَّا أَن يَشَاء الله} فَأخْبر أَن مشيئتهم مَوْقُوفَة على مشيته وَمَعَ هَذَا فَلَا يُوجب ذَلِك حُصُول الْفِعْل مِنْهُم إِذْ أَكثر مَا فِيهِ أَنه جعلهم شائين وَلَا يَقع الْفِعْل إِلَّا حِين يشاؤه مِنْهُم كَمَا قَالَ تَعَالَى {فَمن شَاءَ ذكره وَمَا يذكرُونَ إِلَّا أَن يَشَاء الله} سُورَة المدثر ٥٥ ٥٦ وَقَالَ {لمن شَاءَ مِنْكُم أَن يَسْتَقِيم وَمَا تشاؤون إِلَّا أَن يَشَاء الله} سُورَة التكوير ٢٨ ٢٩ وَمَعَ هَذَا فَلَا يَقع الْفِعْل مِنْهُم حَتَّى يُرِيد من نَفسه اعانتهم وتوفيقهم

فَهُنَا أَربع ارادات ارادة الْبَيَان وارادة الْمَشِيئَة وارادة الْفِعْل وارادة الاعانة وَالله أعلم

آخِره وَالْحَمْد لله وَحده وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه أَجْمَعِينَ وَسلم تَسْلِيمًا

[فصل]

وَقَوله تَعَالَى {وَمَا تشاؤون إِلَّا أَن يَشَاء الله} لَا يدل على أَن العَبْد لَيْسَ بفاعل لفعله الِاخْتِيَارِيّ وَلَا أَنه لَيْسَ بِقَادِر عَلَيْهِ وَلَا أَنه لَيْسَ بمريد بل يدل على أَنه لَا يشاؤه الا من يَشَاء الله وَهَذِه الْآيَة رد على الطَّائِفَتَيْنِ الْمُجبرَة والجهمية والمعتزلة الْقَدَرِيَّة فَإِنَّهُ تَعَالَى قَالَ {لمن شَاءَ مِنْكُم أَن يَسْتَقِيم} فَاثْبتْ للْعَبد مَشِيئَة وفعلا ثمَّ قَالَ {وَمَا تشاؤون إِلَّا أَن يَشَاء الله رب الْعَالمين} فَبين ان مَشِيئَة معلقه بِمَشِيئَة الله وَالْأولَى رد على الجبرية وَهَذِه رد على الْقَدَرِيَّة الَّذين يَقُولُونَ قد يَشَاء العَبْد مَا لَا يشاؤه الله كَمَا يَقُولُونَ ان الله يَشَاء مَا لَا يشاؤون

وَإِذا قَالُوا المُرَاد بِالْمَشِيئَةِ هُنَا الْأَمر على أصلهم وَالْمعْنَى وَمَا يشاؤون فعل مَا أَمر الله بِهِ ان لم يَأْمر الله بِهِ قيل سِيَاق الْآيَة يبين انه لَيْسَ المُرَاد هَذَا بل المُرَاد وَمَا تشاؤون بعد ان امرتم بِالْفِعْلِ ان تفعلوه الا أَن يَشَاء الله فَإِنَّهُ تَعَالَى ذكر الْأَمر وَالنَّهْي والوعد والوعيد ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك {إِن هَذِه تذكرة فَمن شَاءَ اتخذ إِلَى ربه سَبِيلا وَمَا تشاؤون إِلَّا أَن يَشَاء الله} وَقَوله {وَمَا تشاؤون} نفي لمشيئتهم فِي الْمُسْتَقْبل وَكَذَلِكَ قَوْله الا ان يَشَاء الله تَعْلِيق لَهَا بِمَشِيئَة الرب فِي الْمُسْتَقْبل فَإِن حرف (أَن) تخلص الْفِعْل الْمُضَارع للاستقبال فَالْمَعْنى الا أَن يَشَاء بعد ذَلِك والامر مُتَقَدم على ذَلِك وَهَذَا كَقَوْل الانسان لَا افْعَل هَذَا الا ان يَشَاء الله

<<  <  ج: ص:  >  >>