للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَأما المجوزون للتَّعْلِيل فهم متنازعون فالمعتزلة وأتباعهم من الشِّيعَة تثبت من التَّعْلِيل مَا لَا يعقل وَهُوَ أَنه فعل لعِلَّة مُنْفَصِلَة عَن الْفَاعِل مَعَ كَون وجودهَا وَعدمهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ سَوَاء

وَأما أهل السّنة الْقَائِلُونَ بِالتَّعْلِيلِ فَإِنَّهُم يَقُولُونَ إِن الله يحب ويرضى كَمَا دلّ على ذَلِك الْكتاب وَالسّنة وَيَقُولُونَ إِن الْمحبَّة وَالرِّضَا أخص من الْإِرَادَة وَأما الْمُعْتَزلَة وَأكْثر أَصْحَاب الْأَشْعَرِيّ فَيَقُولُونَ إِن الْمحبَّة وَالرِّضَا والإرادة سَوَاء فجمهور أهل السّنة يَقُولُونَ إِن الله لَا يحب الْكفْر والفسوق والعصيان وَلَا يرضاه وَإِن كَانَ دَاخِلا فِي مُرَاده كَمَا دخلت سَائِر الْمَخْلُوقَات لما فِي ذَلِك من الْحِكْمَة وَهُوَ وَإِن كَانَ شرا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْفَاعِل فَلَيْسَ كل مَا كَانَ شرا بِالنِّسْبَةِ إِلَى شخص يكون عديم الْحِكْمَة بل لله فِي الْمَخْلُوقَات حكم قد يعلمهَا بعض النَّاس وَقد لَا يعلمهَا

[فصل]

قَالَ تَعَالَى {وَإِذا جَاءَك الَّذين يُؤمنُونَ بِآيَاتِنَا فَقل سَلام عَلَيْكُم كتب ربكُم على نَفسه الرَّحْمَة أَنه من عمل مِنْكُم سوءا بِجَهَالَة ثمَّ تَابَ من بعده وَأصْلح فَأَنَّهُ غَفُور رَحِيم} سُورَة الْأَنْعَام ٥٤ لم يمْنَع هَذَا أَن يكون كل مِنْهُم متصفا بِهَذِهِ الصّفة وَلَا يجوز أَن يُقَال إِنَّهُم لَو عمِلُوا سوءا بِجَهَالَة ثمَّ تَابُوا من بعده وَأَصْلحُوا لم يغْفر إِلَّا لبَعْضهِم

وَلِهَذَا تدخل من هَذِه فِي النَّفْي لتحقيق نفي الْجِنْس كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا ألتناهم من عَمَلهم من شَيْء} سُورَة الطّور ٢١ وَقَوله تَعَالَى {وَمَا من إِلَه إِلَّا الله} سُورَة آل عمرَان ٦٢ وَقَوله {فَمَا مِنْكُم من أحد عَنهُ حاجزين} سُورَة الحاقة ٤٧ وَلِهَذَا إِذا دخلت فِي النَّفْي تَحْقِيقا أَو تَقْديرا أفادت نفي الْجِنْس قطعا فالتحقيق مَا ذكر وَالتَّقْدِير كَقَوْلِه تَعَالَى {وَمَا من إِلَه إِلَّا الله} سُورَة آل عمرَان ٦٢ وَقَوله {لَا ريب فِيهِ} سُورَة الْبَقَرَة ٢ وَنَحْو ذَلِك بِخِلَاف مَا إِذا لم تكن من مَوْجُودَة كَقَوْلِك مَا رَأَيْت رجلا فَإِنَّهَا ظَاهِرَة لنفي الْجِنْس وَلَكِن قد يجوز أَن يَنْفِي بهَا الْوَاحِد من الْجِنْس كَمَا قَالَ سِيبَوَيْهٍ يجوز أَن يُقَال مَا رَأَيْت رجلا بل رجلَيْنِ فَتبين أَنه يجوز إِرَادَة الْوَاحِد وَإِن كَانَ الظَّاهِر نفي الْجِنْس بِخِلَاف مَا إِذا دخلت من فَإِنَّهُ يَنْفِي الْجِنْس قطعا

وَلِهَذَا لَو قَالَ لعبيده من أَعْطَانِي مِنْكُم ألفا فَهُوَ حر فَأعْطَاهُ كل وَاحِد ألفا عتقوا

<<  <  ج: ص:  >  >>