تَعَالَى فَإِنَّهُ دَاخل فِي قدر الله عز وَجل كَسَائِر الْخلق وَقَائِل هَذَا القَوْل متناقض لَا يثبت على حَال
فصل وَأما قَول الْقَائِل مَا لنا فِي جَمِيع أفعالنا قدرَة فقد كذب فَإِن الله تَعَالَى فرق بَين المستطيع الْقَادِر وَغير المستطيع وَقَالَ {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم} وَقَالَ تَعَالَى {وَللَّه على النَّاس حج الْبَيْت من اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} وَقَالَ تَعَالَى {الله الَّذِي خَلقكُم من ضعف ثمَّ جعل من بعد ضعف قُوَّة ثمَّ جعل من بعد قُوَّة ضعفا وَشَيْبَة} وَالله تَعَالَى قد أثبت للْعَبد مَشِيئَة وفعلا كَمَا قَالَ تَعَالَى {لمن شَاءَ مِنْكُم أَن يَسْتَقِيم وَمَا تشاؤون إِلَّا أَن يَشَاء الله رب الْعَالمين} وَقَالَ تَعَالَى {جَزَاء بِمَا كَانُوا يعْملُونَ} لَكِن الله سُبْحَانَهُ خالقه وخالق كل مَا فِيهِ من قدرَة ومشيئة وَعمل فَإِنَّهُ لَا رب غَيره وَلَا إِلَه سواهُ وَهُوَ خَالق كل شَيْء وربه ومليكه
فصل وَأما قَول الْقَائِل الزِّنَا من الْمعاصِي مَكْتُوب فَهُوَ كَلَام صَحِيح لَكِن هَذَا لَا يَنْفَعهُ الِاحْتِجَاج بِهِ فَإِن الله تَعَالَى كتب أَفعَال الْعباد خَيرهَا وشرها وَكتب مَا يصيرون إِلَيْهِ من السَّعَادَة والشقاوة وَجعل الْأَعْمَال سَببا للثَّواب وَالْعِقَاب وَكتب ذَلِك كَمَا كتب الْأَمْرَاض وَجعلهَا سَببا للثَّواب وَالْعِقَاب وَكتب ذَلِك كَمَا كتب الْأَمْرَاض وَجعلهَا سَببا للمرض وَالْمَوْت فَمن أكل السم فَإِنَّهُ يمرض أَو يَمُوت وَالله تَعَالَى قدر وَكتب هَذَا وَهَذَا كَذَلِك من فعل مَا نهي عَنهُ من الْكفْر والفسوق والعصيان فَإِنَّهُ فعل مَا كتب عَلَيْهِ وَهُوَ مُسْتَحقّ لما كتبه الله من الْجَزَاء لمن عمل ذَلِك وَحجَّة هَؤُلَاءِ بِالْقدرِ على الْمعاصِي من جنس حجَّة الْمُشْركين الَّذين قَالَ الله تَعَالَى عَنْهُم {وَقَالَ الَّذين أشركوا لَو شَاءَ الله مَا عَبدنَا من دونه من شَيْء نَحن وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حرمنا من دونه من شَيْء كَذَلِك فعل الَّذين من قبلهم} وَقَالَ تَعَالَى {سَيَقُولُ الَّذين أشركوا لَو شَاءَ الله مَا أشركنا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حرمنا من شَيْء كَذَلِك كذب الَّذين من قبلهم حَتَّى ذاقوا بأسنا قل هَل عنْدكُمْ من علم فتخرجوه لنا إِن تتبعون إِلَّا الظَّن وَإِن أَنْتُم إِلَّا تخرصون قل فَللَّه الْحجَّة الْبَالِغَة فَلَو شَاءَ لهداكم أَجْمَعِينَ}