الْكتاب فَقَالَ لَا اعْمَلُوا فَكل ميسر لما خلق لَهُ رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَفِي حَدِيث آخر فِي الصَّحِيح أَنه قيل لَهُ يَا رَسُول الله أَرَأَيْت مَا يعْمل النَّاس فِيهِ ويكدحون أفيما جَفتْ بِهِ الأقلام وطويت بِهِ الصُّحُف فَقيل فَفِيمَ الْعَمَل فَقَالَ اعْمَلُوا فَكل ميسر لما خلق لَهُ
الْوَجْه السَّادِس أَن يُقَال إِن الله تَعَالَى علم الْأُمُور وكتبها على مَا هِيَ عَلَيْهِ فَهُوَ سُبْحَانَهُ قد كتب أَن فلَانا يُؤمن وَيعْمل صَالحا فَيدْخل الْجنَّة وَفُلَانًا يفسق ويعصي فَيدْخل النَّار كَمَا علم وَكتب أَن فلَانا يتَزَوَّج امْرَأَة ويطؤها فيأتيه ولد وَأَن فلَانا يَأْكُل وَيشْرب فيشبع ويروى وَأَن فلَانا يبذر الْبذر فينبت الزَّرْع فَمن قَالَ إِن كنت من أهل الْجنَّة فَأَنا أدخلها بِلَا عمل صَالح كَانَ قَوْله قولا بَاطِلا متناقضا لما علمه الله وَقدره وَمِثَال من يَقُول أَنا لَا أَطَأ امْرَأَة فَإِن كَانَ الله قضى لي بِولد فَهُوَ يُولد فَهَذَا جَاهِل فَإِن الله تَعَالَى إِذا قضى بِالْوَلَدِ قضى أَن أَبَاهُ يطَأ امْرَأَة فتحبل وتلد فَأَما الْوَلَد بِلَا حَبل وَلَا وَطْء فَإِن الله لم يقدره وَلم يَكْتُبهُ كَذَلِك الْجنَّة إِنَّمَا أعدهَا الله تَعَالَى للْمُؤْمِنين فَمن ظن أَنه يدْخل الْجنَّة بِلَا إِيمَان كَانَ ظَنّه بَاطِلا وَإِذا اعْتقد أَن الْأَعْمَال الَّتِي أَمر الله بهَا لَا يحْتَاج إِلَيْهَا وَلَا فرق بَين أَن يعملها أَو لَا يعملها كَانَ كَافِرًا وَالله قد حرم الْجنَّة إِلَّا على أَصْحَابهَا
فصل وَأما قَوْله تَعَالَى {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى} الْآيَة فَمن سبقت لَهُ من الله الْحسنى فَلَا بُد أَن يصير مُؤمنا تقيا فَمن لم يكن من الْمُؤمنِينَ لم تسبق لَهُ من الله الْحسنى لَكِن الله إِذا سبقت للْعَبد مِنْهُ سَابِقَة اسْتَعْملهُ بِالْعَمَلِ الَّذِي يصل بِهِ إِلَى تِلْكَ السَّابِقَة كمن سبق لَهُ من الله تَعَالَى أَن يُولد لَهُ ولد فَلَا بُد أَن يطَأ امْرَأَة يحبلها فَإِن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قدر الْأَسْبَاب والمسببات فَسبق مِنْهُ هَذَا وَهَذَا فَمن ظن أَن أحدا سبق لَهُ من الله الْحسنى بِلَا سَبَب فقد ضل بل هُوَ سُبْحَانَهُ ميسر الْأَسْبَاب والمسببات وَهُوَ قد قدر فِيمَا مضى هَذَا وَهَذَا
فصل وَمن قَالَ أَن آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَا عصى فَهُوَ مكذب لِلْقُرْآنِ يُسْتَتَاب فَإِن تَابَ وَإِلَّا قتل فَإِن الله تَعَالَى قَالَ {وَعصى آدم ربه فغوى ثمَّ اجتباه ربه فَتَابَ عَلَيْهِ وَهدى} وَالْمَعْصِيَة هِيَ مُخَالفَة الْأَمر الشَّرْعِيّ فَمن خَالف أَمر الله الَّذِي أرسل فِيهِ رسله وَأنزل بِهِ كتبه فقد عَصَاهُ وَإِن كَانَ دَاخِلا فِيمَا قدره الله وقضاه وَهَؤُلَاء ظنُّوا أَن الْمعْصِيَة هِيَ الْخُرُوج عَن قدر الله فَإِن لم تكن الْمعْصِيَة إِلَّا هَذَا فَلَا يكون إِبْلِيس وَفرْعَوْن وَقوم نوح وَقوم عَاد وَثَمُود وَجَمِيع الْكفَّار عصاة أَيْضا لأَنهم داخلون فِي قدر الله تَعَالَى ثمَّ قَائِل هَذَا يضْرب ويهان فَإِذا تظلم مِمَّن فعل ذَلِك بِهِ قيل لَهُ هَذَا الَّذِي فعل هَذَا لَيْسَ هُوَ بعاص لله