للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَأما قَوْله {لن يستنكف الْمَسِيح} الْآيَة وَقَوله {وَقَالَت الْيَهُود عُزَيْر ابْن الله وَقَالَت النَّصَارَى الْمَسِيح ابْن الله} فَإِنَّهُ حكى قَوْلهم الَّذِي قَالُوهُ وهم قد نسبوه إِلَى الله أَنه ابْنه فَلم يضمنوا ذَلِك قَوْلهم الْمَسِيح ابْن مَرْيَم

وَقَوله {وَلم يكن لَهُ كفوا أحد} نفي للشركاء والأنداد يدْخل فِيهِ كل من جعل شَيْئا كفوا لله فِي شَيْء من خَواص الربوبية مثل خلق الْخلق والإلهية كالعبادة لَهُ ودعائه وَنَحْو ذَلِك

فَهَذِهِ نكت تبين اشْتِمَال كتاب الله على إبِْطَال قَول من يعْتَقد فِي أحد من الْبشر الإلهية باتحاد أَو حُلُول أَو غير ذَلِك

[فصل]

قَوْله تَعَالَى {لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار وَهُوَ يدْرك الْأَبْصَار} سُورَة الْأَنْعَام ١٠٣

أَولا النزاع فِي هَذِه الْمَسْأَلَة بَين طوائف الإمامية كَمَا النزاع فِيهَا بَين غَيرهم فالجهمية والمعتزلة والخوارج وَطَائِفَة من غير الإمامية تنكرهَا والإمامية لَهُم فِيهَا قَولَانِ فجمهور قدمائهم يثبت الرُّؤْيَة وَجُمْهُور متأخريهم ينفونها وَقد تقدم أَن أَكثر قدمائهم يَقُولُونَ بالتجسيم

قَالَ الْأَشْعَرِيّ وكل المجمسة إِلَّا نَفرا قَلِيلا يَقُول بِإِثْبَات الرُّؤْيَة وَقد يثبت الرُّؤْيَة من لَا يَقُول بالتجسيم

قلت وَأما الصَّحَابَة والتابعون وأئمة الْإِسْلَام المعروفون بِالْإِمَامَةِ فِي الدّين كمالك وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث بن سعد وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وأمثال هَؤُلَاءِ وَسَائِر أهل السّنة والْحَدِيث والطوائف المنتسبين إِلَى السّنة وَالْجَمَاعَة كالكلابية والكرامية والأشعرية والسالمية وَغَيرهم فَهَؤُلَاءِ كلهم متفقون على إِثْبَات الرُّؤْيَة لله تَعَالَى وَالْأَحَادِيث بهَا متواترة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد أهل الْعلم بحَديثه

وَكَذَلِكَ الْآثَار بهَا متواترة عَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان وَقد ذكر الإِمَام أَحْمد وَغَيره من الْأَئِمَّة الْعَالمين أَقْوَال السّلف أَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان متفقون على أَن الله يرى فِي الْآخِرَة بالأبصار ومتفقون على أَنه لَا يرَاهُ أحد فِي الدُّنْيَا بِعَيْنِه وَلم يتنازعوا فِي ذَلِك

<<  <  ج: ص:  >  >>