الصَّوْت المسموع من النَّاطِق فَلَو قَالَ هَذَا الصَّوْت أَو صوتي بفلان صَالح أَو فَاسق فسد الْمَعْنى
وَكَانَ بَعضهم يَقُول لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق فَرَأى فِي مَنَامه وضارب يضْربهُ وَعَلِيهِ فَرْوَة فأوجعه بِالضَّرْبِ فَقَالَ لَهُ لَا تضربني فَقَالَ أَنا مَا أضربك وَإِنَّمَا أضْرب الفروة فَقَالَ إِنَّمَا يَقع الضَّرْب عَليّ فَقَالَ هَكَذَا إِذا قلت لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق فالخلق إِنَّمَا يَقع على الْقُرْآن يَقُول كَمَا أَن الْمَقْصُود بِالضَّرْبِ بدنك واللباس وَاسِطَة فَهَكَذَا الْمَقْصُود بالتلاوة كَلَام الله وصوتك وَاسِطَة فَإِذا قلت مَخْلُوق وَقع ذَلِك على الْمَقْصُود كَمَا إِذا سَمِعت قَائِلا يذكر رجلا فَقلت أَنا أحب هَذَا وَأَنا أبْغض هَذَا انْصَرف الْكَلَام إِلَى الْمُسَمّى الْمَقْصُود بِالِاسْمِ لَا إِلَى صَوت الذاكر وَلِهَذَا قَالَ الْأَئِمَّة الْقُرْآن كَلَام الله غير مَخْلُوق كَيْفَمَا تصرف بِخِلَاف أَفعَال الْعباد وأصواتهم فَإِنَّهُ من نفى عَنْهَا الْخلق كَانَ مبتدعا ضَالًّا
[فصل]
وَأما قَول الْقَائِل تَقولُونَ إِن الْقُرْآن صفة الله وَإِن صِفَات الله غير مخلوقة فَإِن قُلْتُمْ أَن هَذَا نفس كَلَام الله فقد قُلْتُمْ بالحلول وَأَنْتُم تكفرون بالحلولية والاتحادية وَإِن قُلْتُمْ مغير ذَلِك قُلْتُمْ بمقالتنا
فَمن تبين لَهُ مَا نبهنا عَلَيْهِ سهل عَلَيْهِ الْجَواب عَن هَذَا وَأَمْثَاله فَإِن منشأ الشُّبْهَة أَن قَول الْقَائِل هَذَا كَلَام الله يَجْعَل أَحْكَامه وَاحِدَة سَوَاء كَانَ كَلَامه مسموعا مِنْهُ أَو كَلَامه مبلغا عَنهُ
وَمن هُنَا تخْتَلف طوائف من النَّاس
طَائِفَة قَالَت هَذَا كَلَام الله وَهَذَا حُرُوف وأصوات مخلوقة فَكَلَام الله مَخْلُوق
وَطَائِفَة قَالَت هَذَا مَخْلُوق وَكَلَام الله لَيْسَ بمخلوق فَهَذَا لَيْسَ كَلَام الله
وَطَائِفَة قَالَت هَذَا كَلَام الله وَكَلَام الله لَيْسَ بمخلوق وَهَذَا ألفاظنا وتلاوتنا فألفاظنا وتلاوتنا غير مخلوقة
ومنشأ ضلال الْجَمِيع من عدم الْفرق فِي الْمشَار إِلَيْهِ فِي هَذَا فَأَنت تَقول هَذَا الْكَلَام الَّذِي تسمعه من قَائِله صدق وَحقّ وصواب وَهُوَ كَلَام حَكِيم وَكَذَلِكَ إِذا سمعته من ناقله تَقول هَذَا الْكَلَام صدق وَحقّ وصواب وَهُوَ كَلَام حَكِيم فالمشار إِلَيْهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَاحِد وَتقول أَيْضا إِن هَذَا صَوت حسن وَهَذَا كَلَام من وسط الْقلب ثمَّ إِذا سمعته من النَّاقِل تَقول هَذَا صَوت حسن أَو كَلَام من وسط الْقلب فالمشار إِلَيْهِ هُنَا لَيْسَ هُوَ الْمشَار إِلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute