للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

هُنَاكَ بل أَشَارَ إِلَى مَا يخْتَص بِهِ هَذَا من صَوته وَقَلبه وَإِلَى مَا يخْتَص بِهِ هَذَا من صَوته وَقَلبه وَإِذا كتب الْكَلَام فِي صفحتين كالمصحفين تَقول فِي كلم فهما هَذَا قُرْآن كريم وَهَذَا كتاب مجيد وَهَذَا كَلَام الله فالمشار إِلَيْهِ وَاحِد ثمَّ تَقول هَذَا خطّ حسن وَهَذَا قلم النّسخ أَو الثُّلُث وَهَذَا الْخط أَحْمَر أَو أصفر والمشار إِلَيْهِ هُنَا مَا يخْتَص بِهِ كل من المصحفين عَن الآخر

فَإِذا ميز الْإِنْسَان فِي الْمشَار إِلَيْهِ بِهَذَا وَهَذَا تبين الْمُتَّفق والمفترق وَعلم أَن من قَالَ هَذَا الْقُرْآن كَلَام الله وَكَلَام الله غير مَخْلُوق أَن الْمشَار إِلَيْهِ الْكَلَام من حَيْثُ هُوَ مَعَ قطع النّظر عَمَّا بِهِ وصل إِلَيْنَا من حركات الْعباد وأصواتهم وَمن قَالَ هَذَا مَخْلُوق وَأَشَارَ بِهِ إِلَى مُجَرّد صَوت العَبْد وحركته لم يكن لَهُ فِي هَذَا حجَّة على أَن الْقُرْآن نَفسه حُرُوفه ومعانيه الَّذِي تعلم هَذَا القارىء من غَيره وبلغه بحركته وصوته مَخْلُوق من اعْتقد ذَلِك فقد أَخطَأ وضل

وَيُقَال لهَذَا هَذَا الْكَلَام الَّذِي أَشرت إِلَيْهِ كَانَ مَوْجُودا قبل أَن يخلق هَذَا القارىء فَهَب أَن القارىء لم تخلق نَفسه وَلَا وجدت لَا أَفعاله وَلَا أصواته فَمن أَيْن يلْزم أَن يكون الْكَلَام نَفسه الَّذِي كَانَ مَوْجُودا قبله يعْدم بِعَدَمِهِ وَيحدث بحدوثه فإشارته بالخلق إِن كَانَت إِلَى مَا يخْتَص بِهِ هَذَا القارىء من أَفعاله وأصواته فالقرآن غَنِي عَن هَذَا القارىء وموجود قبله فَلَا يلْزم من عدم هَذَا عَدمه وَإِن كَانَت إِلَى الْكَلَام الَّذِي يتعلمه النَّاس بَعضهم من بعض فَهَذَا هُوَ الْكَلَام الْمنزل من الله الَّذِي جَاءَ بِهِ جِبْرِيل إِلَى مُحَمَّد وبلغه مُحَمَّد لأمته وَهُوَ كَلَام الله الَّذِي تكلم بِهِ فَذَاك يمْتَنع أَن يكون مخلوقا فَإِنَّهُ لَو كَانَ مخلوقا لَكَانَ كلَاما لمحله الَّذِي خلق فِيهِ وَلم يكن كلَاما لله وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ سُبْحَانَهُ إِذا خلق كلَاما كَانَ كَلَامه كَانَ مَا أنطق بِهِ كل نَاطِق كَلَامه مثل تَسْبِيح الْجبَال والحصى وَشَهَادَة الْجُلُود بل كَانَ كَلَام فِي الْوُجُود وَهَذَا قَول الحلولية يَقُولُونَ

... وكل كَلَام فِي الْوُجُود كَلَامه ... سَوَاء علينا نثره ونظامه ...

وَمن قَالَ الْقُرْآن مَخْلُوق فَهُوَ بَين أَمريْن إِمَّا أَن يَجْعَل كل كَلَام فِي الْوُجُود كَلَامه وَبَين أَن يَجعله غير مُتَكَلم بِشَيْء أصلا فَيجْعَل الْعباد الْمُتَكَلِّمين أكمل مِنْهُ وَشبهه بالأصنام والجمادات والموات كالعجل الَّذِي لَا يكلمهم ولايهديهم سَبِيلا فَيكون قد فر من إِثْبَات صِفَات الْكَمَال لَهُ حذرا فِي زَعمه من التَّشْبِيه فوصفه بِالنَّقْصِ وَشبهه بالجامد والموات

وَكَذَلِكَ قَول الْقَائِل هَذَا نفس كَلَام الله وَعين كَلَام الله وَهَذَا الَّذِي فِي الْمُصحف هُوَ عين كَلَام الله وَنَفس كَلَام الله وأمثال هَذِه الْعبارَات هَذِه مفهومها عِنْد الْإِطْلَاق فِي فطر الْمُسلمين أَنه كَلَامه لَا كَلَام غَيره وَأَنه لَا زِيَادَة فِيهِ وَلَا نُقْصَان فَإِن من ينْقل كَلَام غَيره

<<  <  ج: ص:  >  >>