للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وذمهم عَلَيْهِ وَلم يذكر النَّصَارَى لِأَن الَّذين توَلّوا صلب المصلوب الْمُشبه بِهِ هم الْيَهُود وَلم يكن أحد من النَّصَارَى شَاهدا مَعَهم بل كَانَ الحواريون خَائِفين غائبين فَلم يشْهد أحد مِنْهُم الصلب وَإِنَّمَا شهده الْيَهُود وهم الَّذين أخبروا النَّاس أَنهم صلبوا الْمَسِيح وَالَّذين نقلوا أَن الْمَسِيح صلب من النَّصَارَى وَغَيرهم إِنَّمَا نقلوه عَن أُولَئِكَ الْيَهُود وهم شَرط من أعوان الظلمَة لم يَكُونُوا خلقا كثيرا يمْتَنع تواطؤهم على الْكَذِب

قَالَ تَعَالَى {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صلبوه وَلَكِن شبه لَهُم} فنفى عَنهُ الْقَتْل ثمَّ قَالَ {وَإِن من أهل الْكتاب إِلَّا ليُؤْمِنن بِهِ قبل مَوته}

وَهَذَا عِنْد أَكثر الْعلمَاء مَعْنَاهُ قبل موت الْمَسِيح وَقد قيل قبل موت الْيَهُود وَهُوَ ضَعِيف كَمَا قيل إِنَّه قبل موت مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ أَضْعَف فَإِنَّهُ لَو آمن بِهِ قبل الْمَوْت لنفعه إيمَانه بِهِ فَإِن الله يقبل تَوْبَة العَبْد مَا لم يُغَرْغر

وَإِن قيل المُرَاد بِهِ الْإِيمَان الَّذِي يكون بعد الغرغرة لم يكن فِي هَذَا فَائِدَة فَإِن كل أحد بعد مَوته يُؤمن بِالْغَيْبِ الَّذِي كَانَ يجحده فَلَا اخْتِصَاص للمسيح بِهِ وَلِأَنَّهُ قَالَ قبل مَوته وَلم يقل بعد مَوته وَلِأَنَّهُ وَلَا فرق بَين إيمَانه بالمسيح وَبِمُحَمَّدٍ صلوَات الله عَلَيْهِ وَسَلَامه واليهودي الَّذِي يَمُوت على الْيَهُودِيَّة فَيَمُوت كَافِرًا بِمُحَمد والمسيح عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلِأَنَّهُ قَالَ {وَإِن من أهل الْكتاب إِلَّا ليُؤْمِنن بِهِ قبل مَوته} وَقَوله {ليُؤْمِنن بِهِ} فعل مقسم عَلَيْهِ وَهَذَا إِنَّمَا يكون فِي الْمُسْتَقْبل فَدلَّ ذَلِك على أَن هَذَا الْإِيمَان بعد إِخْبَار الله بِهَذَا وَلَو أُرِيد قبل موت الْكِتَابِيّ لقَالَ وَإِن من أهل الْكتاب إِلَّا من يُؤمن بِهِ لم يقل ليُؤْمِنن بِهِ

وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ إِن من أهل الْكتاب وَهَذَا يعم الْيَهُود وَالنَّصَارَى فَدلَّ ذَلِك على أَن جَمِيع أهل الْكتاب الْيَهُود وَالنَّصَارَى يُؤمنُونَ بالمسيح قبل موت الْمَسِيح وَذَلِكَ إِذا نزل آمَنت الْيَهُود وَالنَّصَارَى بِأَنَّهُ رَسُول الله لَيْسَ كَاذِبًا كَمَا يَقُول الْيَهُود وَلَا هُوَ الله كَمَا تَقوله النَّصَارَى

والمحافظة على هَذَا الْعُمُوم أولى من أَن يَدعِي أَن كل كتابي ليُؤْمِنن بِهِ قبل أَن يَمُوت الْكِتَابِيّ فَإِن هَذَا يسْتَلْزم إِيمَان كل يَهُودِيّ وَنَصْرَانِي وَهَذَا خلاف الْوَاقِع وَهُوَ لما قَالَ {وَإِن من أهل الْكتاب إِلَّا ليُؤْمِنن بِهِ قبل مَوته} وَدلّ على أَن المُرَاد بإيمَانهمْ قبل أَن يَمُوت هُوَ علم أَنه أُرِيد بِالْعُمُومِ عُمُوم من كَانَ مَوْجُودا حِين نُزُوله أَي لَا يتَخَلَّف مِنْهُم أحد عَن الْإِيمَان بِهِ لَا إِيمَان من كل مِنْهُم مَيتا

وَهَذَا كَمَا يُقَال إِنَّه لَا يبْقى بلد إِلَّا دخله الدَّجَّال إِلَّا مَكَّة وَالْمَدينَة أَي فِي الْمَدَائِن الْمَوْجُودَة حِينَئِذٍ وَسبب إِيمَان أهل الْكتاب بِهِ حِينَئِذٍ ظَاهر فَإِنَّهُ يظْهر لكل أحد أَنه رَسُول مؤيد لَيْسَ بِكَذَّابٍ وَلَا هُوَ رب الْعَالمين

<<  <  ج: ص:  >  >>