لغير الله مَا أهل بِهِ أهل الْكتاب لغير الله فَكَذَلِك كل مَا ذبح على النصب فَإِذا ذبح الْكِتَابِيّ على مَا قد نصبوه من التماثيل فِي الْكَنَائِس فَهُوَ مَذْبُوح على النصب
وَمَعْلُوم أَن حكم ذَلِك لَا يخْتَلف بِحُضُور الوثن وغيبته فَإِنَّمَا حرم لِأَنَّهُ قصد بذَبْحه عبَادَة الوثن وتعظيمه وَهَذِه الأنصاب قد قيل هِيَ من الْأَصْنَام وَقيل هِيَ غير الْأَصْنَام
أَحدهمَا أَن نفس الذّبْح كَانَ يكون عَلَيْهَا كَمَا ذَكرْنَاهُ فَيكون ذبحهم غير الْأَصْنَام فَيكون الذّبْح عَلَيْهَا لأجل أَن الْمَذْبُوح عَلَيْهَا مَذْبُوح للأصنام أَو مَذْبُوح لَهَا وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَحْرِيم كل مَا ذبح لغير الله وَلِأَن الذّبْح فِي الْبقْعَة لَا تَأْثِير لَهُ إِلَّا من جِهَة الذّبْح لغير الله كَمَا كرهه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الذّبْح فِي مَوَاضِع أصنام الْمُشْركين ومواضع أعيادهم وَإِنَّمَا يكره الْمَذْبُوح فِي الْبقْعَة الْمعينَة لكَونهَا مَحل شرك فَإِذا وَقع الذّبْح حَقِيقَة لغير الله كَانَت حَقِيقَة التَّحْرِيم قد وجدت فِيهِ
وَالْقَوْل الثَّانِي أَن الذّبْح على النصب أَي لأجل النصب كَمَا قيل
أولم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على زَيْنَب بِخبْز وَلحم وَأطْعم فلَان على وَلَده وَذبح فلَان على وَلَده وَنَحْو ذَلِك وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {لتكبروا الله على مَا هدَاكُمْ} وَهَذَا ظَاهر على قَول من يَجْعَل النصب نفس الْأَصْنَام وَلَا مُنَافَاة بَين كَون الذّبْح لَهَا وَبَين كَونهَا كَانَت تلوث بِالدَّمِ
وعَلى هَذَا القَوْل فالدلالة ظَاهِرَة
وَاخْتِلَاف هذَيْن الْقَوْلَيْنِ فِي قَوْله تَعَالَى {على النصب} نَظِير الِاخْتِلَاف فِي قَوْله تَعَالَى {وَلكُل أمة جعلنَا منسكا لِيذكرُوا اسْم الله على مَا رزقهم من بَهِيمَة الْأَنْعَام} وَقَوله تَعَالَى {ليشهدوا مَنَافِع لَهُم ويذكروا اسْم الله فِي أَيَّام مَعْلُومَات على مَا رزقهم من بَهِيمَة الْأَنْعَام}