للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَغَيرهمَا وَهَؤُلَاء لَا يُقَال إِنَّهُم من أهل الْكتاب كَمَا لَا يُقَال فِي الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار إِنَّهُم من الْمُشْركين وَعباد الْأَوْثَان وَلَا يُنكر أحد من الْمُنَافِقين وَلَا غَيرهم أَن يُصَلِّي على وَاحِد مِنْهُم بِخِلَاف من هُوَ فِي الظَّاهِر مِنْهُم وَفِي الْبَاطِن من الْمُؤمنِينَ وَفِي بِلَاد النَّصَارَى من هَذَا النَّوْع خلق كثير يكتمون إِيمَانهم إِمَّا مُطلقًا وَإِمَّا يكتمونه عَن الْعَامَّة ويظهرونه لخاصتهم وَهَؤُلَاء قد يتناولهم قَوْله تَعَالَى {وَإِن من أهل الْكتاب لمن يُؤمن بِاللَّه} الْآيَة فَهَؤُلَاءِ لَا يدعونَ الْإِيمَان بِكِتَاب الله وَرَسُوله لأجل مَال يأخذونه كَمَا يفعل كثير من الْأَحْبَار والرهبان الَّذين يَأْكُلُون أَمْوَال النَّاس بِالْبَاطِلِ ويصدونهم عَن سَبِيل الله فيمنعونهم من الْإِيمَان بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

وَأما قَوْله {من أهل الْكتاب أمة قَائِمَة يَتلون آيَات الله آنَاء اللَّيْل وهم يَسْجُدُونَ يُؤمنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر ويأمرون بِالْمَعْرُوفِ وَينْهَوْنَ عَن الْمُنكر ويسارعون فِي الْخيرَات وَأُولَئِكَ من الصَّالِحين} فَهَذِهِ الْآيَة تتَنَاوَل الْيَهُود أقوى مِمَّا تتَنَاوَل النَّصَارَى وَنَظِيره قَوْله تَعَالَى {وَمن قوم مُوسَى أمة يهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِه يعدلُونَ} هَذَا مدح مُطلق لمن تمسك بِالتَّوْرَاةِ لَيْسَ فِي ذَلِك مدح لمن كذب الْمَسِيح وَلَا فِيهَا مدح لمن كذب مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

وَهَذَا الْكَلَام تَفْسِير سِيَاق الْكَلَام فَإِنَّهُ قَالَ تَعَالَى {كُنْتُم خير أمة أخرجت للنَّاس تأمرون بِالْمَعْرُوفِ وتنهون عَن الْمُنكر وتؤمنون بِاللَّه} ثمَّ قَالَ تَعَالَى {وَلَو آمن أهل الْكتاب لَكَانَ خيرا لَهُم مِنْهُم الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرهم الْفَاسِقُونَ} فقد جعلهم نَوْعَيْنِ نوعا مُؤمنين ونوعا فاسقين وهم أَكْثَرهم لقَوْله تَعَالَى {مِنْهُم الْمُؤْمِنُونَ} يتَنَاوَل من كَانَ مُؤمنا قبل مبعث مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا يتناولهم قَوْله تَعَالَى {وَجَعَلنَا فِي قُلُوب الَّذين اتَّبعُوهُ رأفة وَرَحْمَة} إِلَى قَوْله {وَكثير مِنْهُم فَاسِقُونَ} وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلَقَد أرسلنَا نوحًا وَإِبْرَاهِيم وَجَعَلنَا فِي ذريتهما النُّبُوَّة وَالْكتاب فَمنهمْ مهتد وَكثير مِنْهُم فَاسِقُونَ}

وَقَوله عَن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل {وباركنا عَلَيْهِ وعَلى إِسْحَاق وَمن ذريتهما محسن وظالم لنَفسِهِ مُبين} ثمَّ قَالَ {وَأَكْثَرهم الْفَاسِقُونَ} قَالَ {لن يضروكم إِلَّا أَذَى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يولوكم الأدبار ثمَّ لَا ينْصرُونَ ضربت عَلَيْهِم الذلة أَيْن مَا ثقفوا إِلَّا بِحَبل من الله وحبل من النَّاس وباؤوا بغضب من الله وَضربت عَلَيْهِم المسكنة ذَلِك بِأَنَّهُم كَانُوا يكفرون بآيَات الله وَيقْتلُونَ الْأَنْبِيَاء بِغَيْر حق ذَلِك بِمَا عصوا وَكَانُوا يعتدون}

<<  <  ج: ص:  >  >>