للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أَصْحَاب الْبدع الْكِبَار وردهم مَا انْتفع بِهِ خلق كثير

فَإِن الْأَشْعَرِيّ كَانَ من الْمُعْتَزلَة وَبَقِي على مَذْهَبهم أَرْبَعِينَ سنة يقْرَأ على أبي عَليّ الجبائي فَلَمَّا انْتقل عَن مَذْهَبهم كَانَ خَبِيرا بأصولهم وبالرد عَلَيْهِم وَبَيَان تناقضهم وَأما مَا بَقِي عَلَيْهِ من السّنة فَلَيْسَ هُوَ من خَصَائِص الْمُعْتَزلَة بل هُوَ من الْقدر الْمُشْتَرك بَينهم وَبَين الْجَهْمِية وَأما خَصَائِص الْمُعْتَزلَة فَلم يوالهم الْأَشْعَرِيّ فِي شَيْء مِنْهَا بل ناقضهم فِي جَمِيع أصولهم وَمَال فِي مسَائِل الْعدْل والأسماء وَالْأَحْكَام إِلَى مَذْهَب جهم وَنَحْوه وَكثير من الطوائف كالنجارية اتِّبَاع حُسَيْن النجار والضرارية أَتبَاع ضرار بن عمر ويخالفون الْمُعْتَزلَة فِي الْقدر والأسماء وَالْأَحْكَام وإنفاذ الْوَعيد والمعتزلة من أبعد النَّاس عَن طَرِيق أهل الْكَشْف والخوارق والصوفية يذمونها ويعيبونها وَكَذَلِكَ يبالغون فِي ذمّ النَّصَارَى أَكثر مِمَّا يبالغون فِي ذمّ الْيَهُود وهم إِلَى الْيَهُود أقرب كَمَا أَن الصُّوفِيَّة وَنَحْوهم إِلَى النَّصَارَى أقرب فَإِن النَّصَارَى عِنْدهم عبَادَة وزهد وأخلاق بِلَا معرفَة وَلَا بَصِيرَة فهم ضالون وَالْيَهُود عِنْدهم علم وَنظر بِلَا قصد صَالح وَلَا عبَادَة وَلَا زهد وَلَا أَخْلَاق كَرِيمَة فهم مغضوب عَلَيْهِم وَالنَّصَارَى ضالون

قَالَ أَبُو مُحَمَّد عبد الرَّحْمَن بن أبي حَاتِم وَلَا أعلم فِي هَذَا الْحَرْف اخْتِلَافا بَين الْمُفَسّرين وروى بِإِسْنَاد عَن أبي روق عَن ابْن عَبَّاس وَغير طَرِيق الضَّالّين وهم النَّصَارَى الَّذين أضلهم الله بفريتهم عَلَيْهِ يَقُول فألهمنا دينك الْحق وَهُوَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ حَتَّى لَا تغْضب علينا كَمَا غضِبت على الْيَهُود وَلَا تضلنا كَمَا أضللت النَّصَارَى فتعذبنا كَمَا تُعَذبهُمْ يَقُول امنعنا من ذَلِك برفقك ورحمتك ورأفتك وقدرتك قَالَ ابْن أبي حَاتِم وَلَا أعلم فِي هَذَا الْحَرْف اخْتِلَافا بَين الْمُفَسّرين وَقد قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة كَانُوا يَقُولُونَ من فسد من عُلَمَائِنَا فَفِيهِ شبه من الْيَهُود وَمن فسد من عبادنَا فَفِيهِ شبه من النَّصَارَى

فَأهل الْكَلَام أصل أَمرهم هُوَ النّظر فِي الْعلم وَدَلِيله فيعظمون الْعلم وَطَرِيقه وَهُوَ الدَّلِيل والسلوك فِي طَرِيقه وَهُوَ النّظر

وَأهل الزّهْد يعظمون الْإِرَادَة والمريد وَطَرِيق أهل الْإِرَادَة فَهَؤُلَاءِ يبنون أَمرهم على الْإِرَادَة وَأُولَئِكَ يبنون أَمرهم على النّظر وَهَذِه هِيَ الْقُوَّة العلمية وَلَا بُد لأهل الصِّرَاط الْمُسْتَقيم من هَذَا وَهَذَا وَلَا بُد أَن يكون هَذَا وَهَذَا مُوَافقا لما جَاءَ بِهِ الرَّسُول

فالإيمان قَول وَعمل وموافقة السّنة وَأُولَئِكَ عظموا النّظر وأعرضوا عَن الْإِرَادَة وعظموا جنس النّظر وَلم يلتزموا النّظر الشَّرْعِيّ فغلطوا من جِهَة كَون جَانب الْإِرَادَة لم يعظموه وَإِن كَانُوا يوجبون الْأَعْمَال الظَّاهِرَة فهم لَا يعْرفُونَ أَعمال الْقُلُوب وحقائقها وَمن جِهَة أَن النّظر لم يميزوا فِيهِ بَين النّظر الشَّرْعِيّ الْحق الَّذِي أَمر بِهِ الشَّارِع وَأخْبر بِهِ وَبَين النّظر البدعي الْبَاطِل الْمنْهِي عَنهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>