وَهَذَا الشّعْر قَالَ منشئه لَفظه وَمَعْنَاهُ وَهُوَ كَلَامه لَا كَلَام غَيره بحركته وصوته وَمَعْنَاهُ الْقَائِم بِنَفسِهِ ثمَّ إِذا أنْشدهُ المنشد وبلغه عَنهُ علم أَن شعر ذَلِك المنشىء وَكَلَامه ونظمه وَقَوله مَعَ أَن هَذَا التَّالِي أنْشدهُ بحركة نَفسه وَصَوت نَفسه وَقَامَ بِقَلْبِه من الْمَعْنى نَظِير من قَامَ بقلب الأول وَلَيْسَ الصَّوْت المسموع من المنشد هُوَ الصَّوْت المسموع من المنشىء وَالشعر شعر المنشىء لَا شعر المنشد والمحدث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا روى قَوْله إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ بلغه بحركته وصوته مَعَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تكلم بِهِ بحركته وصوته وَلَيْسَ صَوت الْمبلغ صَوت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا حركته كحركته وَالْكَلَام كَلَام رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا كَلَام الْمبلغ لَهُ عَنهُ
فَإِذا كَانَ هَذَا مَعْلُوما معقولا فَكيف لَا يعقل أَن يكون مَا يقْرَأ القارىء إِذا قَرَأَ {الْحَمد لله رب الْعَالمين الرَّحْمَن الرَّحِيم مَالك يَوْم الدّين} أَن يُقَال هَذَا الْكَلَام كَلَام البارىء وَإِن كَانَ الصَّوْت صَوت القارىء فَمن ظن أَن الْأَصْوَات المسموعة من الْقُرَّاء صَوت الله فَهُوَ ضال مفتر مُخَالف لصريح الْمَعْقُول وصحيح الْمَنْقُول قَائِل قولا لم يقلهُ أحد من أَئِمَّة الْمُسلمين بل قد أنكر الإِمَام أَحْمد وَغَيره على من قَالَ لَفْظِي بِالْقُرْآنِ غير مَخْلُوق وبدعوه كَمَا جهموا من قَالَ لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوق وَقَالُوا الْقُرْآن كَلَام الله غير مَخْلُوق كَيفَ تصرف فَكيف من قَالَ لَفْظِي بِهِ قديم أَو صوتي بِهِ قديم فابتدع هَذَا وضلاله أوضح فَمن قَالَ إِن لَفظه بِالْقُرْآنِ غير مَخْلُوق أَو صَوته أَو فعله أَو شَيْئا من ذَلِك فَهُوَ ضال مُبْتَدع
وَهَؤُلَاء قد يحتجون بقوله {حَتَّى يسمع كَلَام الله} وَيَقُولُونَ هَذَا كَلَام الله وَكَلَام الله غير مَخْلُوق فَهَذَا غير مَخْلُوق وَنحن لَا نسْمع إِلَّا صَوت القارىء وَهَذَا جهل مِنْهُم فَإِن سَماع كَلَام الله بل وَسَمَاع كل كَلَام يكون تَارَة من الْمُتَكَلّم بِهِ بِلَا وَاسِطَة وَيكون بِوَاسِطَة الرَّسُول الْمبلغ لَهُ قَالَ تَعَالَى {وَمَا كَانَ لبشر أَن يكلمهُ الله إِلَّا وَحيا أَو من وَرَاء حجاب أَو يُرْسل رَسُولا فَيُوحِي بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء}
وَمن قَالَ إِن الله كلمنا بِالْقُرْآنِ كَمَا كلم مُوسَى بن عمرَان أَو إِنَّا نسْمع كَلَامه كَمَا سَمعه مُوسَى بن عمرَان فَهُوَ من أعظم النَّاس جهلا وضلالا
وَلَو قَالَ قَائِل إِنَّا نسْمع كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا سَمعه الصَّحَابَة مِنْهُ لَكَانَ ضلاله وَاضحا فَكيف من يَقُول أَنا أسمع كَلَام الله مِنْهُ كَمَا سَمعه مُوسَى وَإِن كَانَ الله كلم مُوسَى تكليما بِصَوْت سَمعه مُوسَى فَلَيْسَ صَوت المخلوقين صَوتا للخالق وَكَذَلِكَ مناداته لِعِبَادِهِ بِصَوْت يسمعهُ من بعد كَمَا يسمعهُ من قرب وتكلمه بِالْوَحْي حَتَّى يسمع أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض صَوته كجر السلسلة على الصَّفَا وأمثال ذَلِك مِمَّا جَاءَت بِهِ النُّصُوص والْآثَار كلهَا لَيْسَ فِيهَا أَن