الْمَزْبُور أَي الْمَكْتُوب فالقرآن نَفسه لَيْسَ عِنْد بني إِسْرَائِيل وَلَكِن ذكره كَمَا أَن مُحَمَّدًا نَفسه لَيْسَ عِنْدهم وَلَكِن ذكره فثبوت الرَّسُول فِي كتبهمْ كثبوت الْقُرْآن فِي كتبهمْ بِخِلَاف ثُبُوت الْقُرْآن فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ وَفِي الْمَصَاحِف فَإِن نفس الْقُرْآن أثبت فِيهَا فَمن جعل هَذَا مثل هَذَا كَانَ ضلاله بَينا وَهَذَا مَبْسُوط فِي مَوْضِعه
وَالْمَقْصُود هُنَا أَن نفس الموجودات وصفاتها إِذا انْتَقَلت من مَحل إِلَى مَحل حلت فِي ذَلِك الْمحل الثَّانِي وَأما الْعلم بهَا وَالْخَبَر عَنْهَا فَيَأْخذهُ الثَّانِي عَن الأول مَعَ بَقَائِهِ فِي الأول وَإِن كَانَ الَّذِي عِنْد الثَّانِي هُوَ نَظِير ذَلِك وَمثله لَكِن لما كَانَ الْمَقْصُود بالعلمين وَاحِدًا فِي نَفسه صَارَت وحدة الْمَقْصُود توجب وحدة التَّابِع لَهُ وَالدَّلِيل عَلَيْهِ وَلم يكن للنَّاس غَرَض فِي تعدد التَّابِع كَمَا فِي الِاسْم مَعَ الْمُسَمّى فَإِن اسْم الشَّخْص وَإِن ذكره أنَاس متعددون ودعا بِهِ أنَاس متعددون فَالنَّاس يَقُولُونَ إِنَّه اسْم وَاحِد لمسمى وَاحِد فَإِذا قَالَ الْمُؤَذّن أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وَقَالَ ذَلِك هَذَا الْمُؤَذّن وَهَذَا الْمُؤَذّن وَقَالَهُ غير الْمُؤَذّن فَالنَّاس يَقُولُونَ إِن هَذَا الْمَكْتُوب هُوَ اسْم الله وَاسم رَسُوله كَمَا أَن الْمُسَمّى هُوَ الله وَرَسُوله
وَإِذا قَالَ {اقْرَأ باسم رَبك} وَقَالَ {اركبوا فِيهَا بِسم الله} وَقَالَ {سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى} وَقَالَ {بِسم الله} فَفِي الْجَمِيع الْمَذْكُور هُوَ اسْم الله وَإِن تعدد الذّكر والذاكر فَالْخَبَر الْوَاحِد عَن الْمخبر الْوَاحِد من مخبره وَالْأَمر الْوَاحِد بالمأمور بِهِ من الْآمِر الْوَاحِد بِمَنْزِلَة الِاسْم الْوَاحِد لمسماه هَذَا فِي الْمركب نَظِير هَذَا فِي الْمُفْرد وَهَذَا هُوَ وَاحِد بِاعْتِبَار الْحَقِيقَة وَبِاعْتِبَار اتِّحَاد الْمَقْصُود وَإِن تعدد من يذكر ذَلِك الِاسْم وَالْخَبَر وتعددت حركاتهم وأصواتهم وَسَائِر صفاتهم
وَأما قَول الْقَائِل إِن قُلْتُمْ إِن هَذَا نفس كَلَام الله فقد قُلْتُمْ بالحلول وَأَنْتُم تكفرون الحلولية والاتحادية فَهَذَا قِيَاس فَاسد مِثَاله مِثَال رجل ادّعى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحل بِذَاتِهِ فِي بدن الَّذِي يقْرَأ حَدِيثه فَأنْكر النَّاس ذَلِك عَلَيْهِ وَقَالُوا إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يحل فِي بدن غَيره فَقَالَ أَنْتُم تَقولُونَ إِن الْمُحدث يقْرَأ كَلَامه وَإِن مَا يقرأه هُوَ كَلَام النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا قُلْتُمْ ذَلِك فقد قُلْتُمْ بالحلول وَمَعْلُوم أَن هَذَا فِي غَايَة الْفساد
وَالنَّاس متفقون على إِطْلَاق القَوْل بِأَن كَلَام زيد فِي هَذَا الْكتاب وَهَذَا الَّذِي سمعناه كَلَام زيد وَلَا يستجيز الْعَاقِل إِطْلَاق القَوْل بِأَنَّهُ هُوَ نَفسه فِي هَذَا الْمُتَكَلّم أَو فِي هَذَا الْوَرق وَقد نطقت النُّصُوص بِأَن الْقُرْآن فِي الصُّدُور كَقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استذكروا الْقُرْآن فَلَهو أَشد نفلتا من صُدُور الرِّجَال من النعم فِي عقلهَا وَقَوله الْجوف الَّذِي لَيْسَ فِيهِ شَيْء من
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute