للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قيل لَوْلَا دعاؤكم إِيَّاه وَقيل لَوْلَا دعاؤه إيَّاكُمْ فَإِن الْمصدر يُضَاف إِلَى الْفَاعِل تَارَة وَإِلَى الْمَفْعُول تَارَة وَلَكِن إِضَافَته إِلَى الْفَاعِل أقوى لِأَنَّهُ لَا بُد لَهُ من فَاعل فَلهَذَا كَانَ هَذَا أقوى الْقَوْلَيْنِ أَي مَا يعبأ بكم لَوْلَا أَنكُمْ تَدعُونَهُ فتعبدونه وتسألونه {فقد كَذبْتُمْ فَسَوف يكون لزاما} أَي عَذَاب لَازم للمكذبين

وَلَفظ الصَّلَاة فِي اللُّغَة أَصله الدُّعَاء وَسميت الصَّلَاة دُعَاء لتضمنها معنى الدُّعَاء وَهُوَ الْعِبَادَة وَالْمَسْأَلَة

وَقد فسر قَوْله تَعَالَى {ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم} بِالْوَجْهَيْنِ قيل اعبدوني وامتثلوا أَمْرِي أَسْتَجِب لكم كَمَا قَالَ تَعَالَى {ويستجيب الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات} أَي يستجيب لَهُم وَهُوَ مَعْرُوف فِي اللُّغَة يُقَال استجابه واستجاب لَهُ كَمَا قَالَ الشَّاعِر

... وداع دعايا من يُجيب إِلَى الندى ... فَلم يستجبه عِنْد ذَاك مُجيب ...

وَقيل سلوني أعطكم

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ ينزل رَبنَا كل لَيْلَة إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا حِين يبْقى ثلث اللَّيْل الآخر فَيَقُول من يدعوني فأستجيب لَهُ من يسالني فَأعْطِيه من يستغفرني فَأغْفِر لَهُ فَذكر أَولا لفظ الدُّعَاء ثمَّ ذكر السُّؤَال وَالِاسْتِغْفَار والمستغفر سَائل كَمَا أَن السَّائِل دَاع لَكِن ذكر السَّائِل لدفع الشَّرّ بعد السَّائِل الطَّالِب للخير وذكرهما جَمِيعًا بعد ذكر الدَّاعِي الَّذِي تناولهما وَغَيرهمَا فَهُوَ من بَاب عطف الْخَاص على الْعَام

وَقَالَ تَعَالَى {وَإِذا سَأَلَك عبَادي عني فَإِنِّي قريب أُجِيب دَعْوَة الداع إِذا دعان}

وكل سَائل رَاغِب رَاهِب فَهُوَ عَابِد للمسؤول وَلَك عَابِد لَهُ فَهُوَ أَيْضا رَاغِب وراهب يَرْجُو رَحمته وَيخَاف عَذَابه فَكل عَابِد سَائل وكل سَائل عَابِد فأحد الاسمين يتَنَاوَل الآخر عِنْد تجرده عَنهُ وَلَكِن إِذا جمع بَينهمَا فَإِنَّهُ يُرَاد بالسائل الَّذِي يطْلب جلب الْمَنْفَعَة وَدفع الْمضرَّة بصيغ السُّؤَال والطلب وَيُرَاد بالعابد من يطْلب ذَلِك بامتثال الْأَمر وَإِن لم يكن فِي ذَلِك صِيغ سُؤال

وَالْعَابِد الَّذِي يُرِيد وَجه الله وَالنَّظَر إِلَيْهِ هُوَ أَيْضا راج خَائِف رَاغِب رَاهِب يرغب فِي حُصُول مُرَاده ويرهب من فَوَاته قَالَ تَعَالَى {إِنَّهُم كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخيرَات ويدعوننا رغبا ورهبا} وَقَالَ تَعَالَى {تَتَجَافَى جنُوبهم عَن الْمضَاجِع يدعونَ رَبهم خوفًا وَطَمَعًا} وَلَا يتَصَوَّر أَن يَخْلُو دَاع لله دُعَاء عبَادَة أَو دُعَاء مَسْأَلَة من الرغب والرهب من الْخَوْف والطمع

وَمَا يذكر عَن بعض الشُّيُوخ أَنه جعل الْخَوْف والرجاء من مقامات الْعَامَّة فَهَذَا قد يُفَسر

<<  <  ج: ص:  >  >>