إيَّاكُمْ وَالظَّن فَإِن الظَّن أكذب الحَدِيث وَإِذا كَانَ فِي الْكَلَام إِخْبَار عَن الْغَيْر بِأَنَّهُ يَقُول أقوالا بَاطِلَة فِي الْعقل وَالشَّرْع وَفِيه رد تِلْكَ الْأَقْوَال كَانَ هَذَا كذبا وظلما فنعوذ بِاللَّه من ذَلِك ثمَّ مَعَ كَونه ظلما لنا يَا ليته كَانَ كلَاما صَحِيحا مُسْتَقِيمًا فَكُنَّا نحلله من حَقنا وَيُسْتَفَاد مَا فِيهِ من الْعلم وَلَكِن فِيهِ من تَحْرِيف كتاب الله والإلحاد فِي آيَاته وأسمائه وَالْكذب وَالظُّلم والعدوان الَّذِي يتَعَلَّق بِحُقُوق الله مِمَّا فِيهِ لَكِن عَفَوْنَا عَن حَقنا فَحق الله إِلَيْهِ لَا إِلَى غَيره
وَنحن نذْكر من الْقيام بِحَق الله وَنصر كِتَابه وَدينه مَا يَلِيق بِهَذَا الْموضع فَإِن هَذَا الْكَلَام الَّذِي ذكره فِيهِ من التَّنَاقُض وَالْفساد مَا لَا أَظن تمكنه من ضَبطه من وُجُوه
أَحدهَا أَنه قَالَ فِي أَوله النُّور كَيْفيَّة قَائِمَة بالجسمية ثمَّ قَالَ فِي آخِره جسم لطيف شفاف فَذكر فِي أول الْكَلَام أَنه عرض وَصفَة فِي آخِره جسم وَهُوَ جَوْهَر قَائِم بِنَفسِهِ
الثَّانِي أَنه ذكر عَن الْمُفَسّرين أَنهم تأولوا ذَلِك بالهادي وَضعف ذَلِك ثمَّ ذكر فِي آخِره أَن من كَلَام العارفين أَن النُّور هُوَ الَّذِي نور قُلُوب الصَّادِقين بتوحيده وأسرار المحبين بتأييده وَأَحْيَا قُلُوب العارفين بِنور مَعْرفَته وَهَذَا هُوَ معنى الْهَادِي الَّذِي ضعفه أَولا فيضعفه أَولا ويجعله من كَلَام العارفين وَهِي كلمة لَهَا صولة فِي الْقُلُوب وَإِنَّمَا هُوَ من كَلَام بعض الْمَشَايِخ الَّذين يَتَكَلَّمُونَ بِنَوْع من الْوَعْظ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ تَحْقِيق فَإِن الشَّيْخ أَبَا عبد الرَّحْمَن ذكر فِي تَحْقِيق التَّفْسِير من الإشارات الَّتِي بَعْضهَا كَلَام حسن مُسْتَفَاد وَبَعضهَا مَكْذُوب على قَائِله مفترى كالمنقول عَن جَعْفَر وَغَيره وَبَعضهَا من الْمَنْقُول الْبَاطِل الْمَرْدُود فَإِن إشارات الْمَشَايِخ وَهِي إشارتهم بالقلوب وَذَلِكَ هُوَ الَّذِي امتازوا بِهِ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعه وينقسم إِلَى الإشارات الْمُتَعَلّقَة بالأقوال مثل مَا يأخذونها من الْقُرْآن وَنَحْوه فَتلك الإشارات هِيَ من بَاب الِاعْتِبَار وَالْقِيَاس وإلحاق مَا لَيْسَ بمنصوص بالمنصوص مثل الِاعْتِبَار وَالْقِيَاس الَّذِي يَسْتَعْمِلهُ الْفُقَهَاء فِي الْأَحْكَام لَكِن هَذَا يسْتَعْمل فِي التَّرْغِيب والترهيب وفضائل الْأَعْمَال ودرجات الرِّجَال وَنَحْو ذَلِك فَإِن كَانَت الْإِشَارَة اعتبارية من جنس الْقيَاس الصَّحِيح كَانَت حَسَنَة مَقْبُولَة وَإِن كَانَت كالقياس الضَّعِيف كَانَ لَهَا حكمه وَإِن كَانَ تحريفا للْكَلَام على غير تَأْوِيله كَانَت من جنس كَلَام القرامطة والباطنية والجهمية فَتدبر هَذَا فَإِنِّي قد أوضحت هَذَا فِي قَاعِدَة الإشارات