للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ومصايرها فيفعل الْفِعْل الَّذِي لَهُ عَاقِبَة لَا يعلمهَا كآل فِرْعَوْن فَأَما من يكون عَالما بعواقب الْأَفْعَال ومصايرها فَلَا يتَصَوَّر مِنْهُ أَن يفعل فعلا لَهُ عَاقِبَة لَا يعلم عاقبته وَإِذا علم أَن فعله لَهُ عَاقِبَة فَلَا يقْصد بِفِعْلِهِ مَا يعلم أَنه لَا يكون فَإِن ذَلِك تمن وَلَيْسَ بِإِرَادَة

وَأما اللَّام فَهِيَ اللَّام الْمَعْرُوفَة وَهِي لَام كي وَلَام التَّعْلِيل الَّتِي إِذا حذفت انتصب الْمصدر الْمَجْرُور بهَا على الْمَفْعُول لَهُ وَتسَمى الْعلَّة الغائية وَهِي مُتَقَدّمَة فِي الْعلم والإرادة مُتَأَخِّرَة فِي الْوُجُود والحصول وَهَذِه الْعلَّة هِيَ المُرَاد الْمَطْلُوب الْمَقْصُود من الْفِعْل

لَكِن يَنْبَغِي أَن يعرف أَن الْإِرَادَة فِي كتاب الله على نَوْعَيْنِ

أَحدهمَا الْإِرَادَة الكونية وَهِي الْإِرَادَة المستلزمة لوُقُوع المُرَاد الَّتِي يُقَال فِيهَا مَا شَاءَ الله كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن وَهَذِه الْإِرَادَة فِي مثل قَوْله {فَمن يرد الله أَن يهديه يشْرَح صَدره لِلْإِسْلَامِ وَمن يرد أَن يضله يَجْعَل صَدره ضيقا حرجا} وَقَوله {وَلَا ينفعكم نصحي إِن أردْت أَن أنصح لكم إِن كَانَ الله يُرِيد أَن يغويكم} وَقَالَ تَعَالَى {وَلَو شَاءَ الله مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِن الله يفعل مَا يُرِيد} وَقَالَ تَعَالَى {وَلَوْلَا إِذْ دخلت جنتك قلت مَا شَاءَ الله لَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه} وأمثال ذَلِك وَهَذِه الْإِرَادَة هِيَ مَدْلُول اللَّام فِي قَوْله {وَلَا يزالون مُخْتَلفين إِلَّا من رحم رَبك وَلذَلِك خلقهمْ}

قَالَ السّلف خلق فريقا للِاخْتِلَاف وفريقا للرحمة وَلما كَانَت الرَّحْمَة هُنَا الْإِرَادَة وَهُنَاكَ كونية وَقع المُرَاد بهَا فقوم اخْتلفُوا وَقوم رحموا

وَأما النَّوْع الثَّانِي فَهُوَ الْإِرَادَة الدِّينِيَّة الشَّرْعِيَّة وَهِي محبَّة المُرَاد وَرضَاهُ ومحبة أَهله وَالرِّضَا عَنْهُم وجزاهم بِالْحُسْنَى كَمَا قَالَ تَعَالَى {يُرِيد الله بكم الْيُسْر وَلَا يُرِيد بكم الْعسر} وَقَوله تَعَالَى {مَا يُرِيد الله ليجعل عَلَيْكُم من حرج وَلَكِن يُرِيد ليطهركم وليتم نعْمَته عَلَيْكُم} وَقَوله {يُرِيد الله ليبين لكم وَيهْدِيكُمْ سنَن الَّذين من قبلكُمْ وَيَتُوب عَلَيْكُم وَالله عليم حَكِيم وَالله يُرِيد أَن يَتُوب عَلَيْكُم وَيُرِيد الَّذين يتبعُون الشَّهَوَات أَن تميلوا ميلًا عَظِيما يُرِيد الله أَن يُخَفف عَنْكُم وَخلق الْإِنْسَان ضَعِيفا}

<<  <  ج: ص:  >  >>