عَنْهُم الِاحْتِجَاج بِشَيْء من الْكتب وَلَا الِاحْتِجَاج بِشَيْء من الْمَعْقُول بل يعلم من حَيْثُ الْجُمْلَة أَن كل مَا يحتجون بِهِ على صِحَة دينهم فَهُوَ بَاطِل وَإِن لم يبين فَسَاد حججهم على التَّفْصِيل لِأَن الْأَنْبِيَاء لَا يَقُولُونَ إِلَّا حَقًا كَمَا أَن الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام لما حكم بِكفْر من كذبه من الْيَهُود كَانَ كل مَا يحْتَج بِهِ الْيَهُود على خلاف ذَلِك بَاطِلا فَكل مَا عَارض قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَعْصُوم فَهُوَ بَاطِل وَإِن كذبُوا مُحَمَّدًا تَكْذِيبًا عَاما مُطلقًا وَقَالُوا لَيْسَ هُوَ نَبِي أصلا وَلَا أرسل إِلَى أحد لَا إِلَى الْعَرَب وَلَا إِلَى غَيرهم بل كَانَ من الْكَذَّابين امْتنع مَعَ هَذَا أَن يصدقُوا بنبوة غَيره فَإِن الطَّرِيق الَّذِي يعلم بِهِ بنوة مُوسَى وَعِيسَى يعلم بِهِ نبوة مُحَمَّد بطرِيق الأولى فَإِذا قَالُوا علمت نبوة مُوسَى والمسيح بالمعجزات وَعرفت المعجزات بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتر إِلَيْنَا قيل لَهُم معجزات مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أعظم وتواترها أبلغ وَالْكتاب الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أكمل وَأمته أفضل وَشَرَائِع دينه أحسن ومُوسَى جَاءَ بِالْعَدْلِ وَعِيسَى جَاءَ بتكميلها بِالْفَضْلِ وَهُوَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد جمع فِي شَرِيعَته بَين الْعدْل وَالْفضل فَإِن سَاغَ لقَائِل أَن يَقُول هُوَ مَعَ هَذَا كَاذِب مفتر كَانَ على هَذَا التَّقْدِير الْبَاطِل غَيره أولى أَن يُقَال فِيهِ ذَلِك فَيبْطل بتكذيبهم مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَمِيع مَا مَعَهم من النبوات إِذْ حكم اُحْدُ الشَّيْئَيْنِ حكم مثله فَكيف بِمَا هُوَ أولى مِنْهُ فَلَو قَالَ قَائِل إِن هَارُون ويوشع وَدَاوُد وَسليمَان كَانُوا أَنْبيَاء ومُوسَى لم يكن نَبيا أَو أَن دَاوُد وَسليمَان ويوشع وَيحيى كَانُوا أَنْبيَاء والمسيح لم يكن نَبيا أَو قَالَ مَا يَقُوله السامرة إِن يُوشَع كَانَ نَبيا وَمن بعده كداود وَسليمَان والمسيح لم يَكُونُوا أَنْبيَاء أَو قَالَ مَا يَقُوله الْيَهُود إِن دَاوُد وَسليمَان وشيعا وحبقوق ومليخا وعاموص ودانيال كَانُوا أَنْبيَاء والمسيح بن مَرْيَم لم يكن نَبيا كَانَ هَذَا قولا متناقضا مَعْلُوم الْبطلَان فَإِن الَّذين نفى هَؤُلَاءِ عَنْهُم النُّبُوَّة احق بِالنُّبُوَّةِ وأكمل نبوة مِمَّن أثبتوها لَهُ وَدَلَائِل نبوة الْأَكْمَل أفضل فَكيف يجوز إِثْبَات النُّبُوَّة للنَّبِي الْمَفْضُول دون الْفَاضِل وَصَارَ هَذَا كَمَا لَو قَالَ قَائِل إِن زفر وَابْن الْقَاسِم والمزني والأثرم كَانُوا فُقَهَاء وَأَبا حنيفَة ومالكا وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لم يَكُونُوا فُقَهَاء اَوْ قَالَ إِن الْأَخْفَش وَابْن الْأَنْبَارِي والمبرد كَانُوا نحاة والخليل وسيبويه وَالْفراء لم يَكُونُوا نحاة أَو قَالَ إِن صَاحب الملكي والمسيحي وَنَحْوهمَا من كتب الطِّبّ كَانُوا أطباء وبقراط وجالينوس وَنَحْوهمَا لم يَكُونُوا أطباء أَو قَالَ إِن كوشيار والخرقي وَنَحْوهمَا كَانُوا يعْرفُونَ علم الْهَيْئَة وبطليموس وَنَحْوه لم يكن لَهُ علم بالهيئة
وَمن قَالَ إِن دَاوُد وَسليمَان ومليخا وعاموص ودانيال كَانُوا أَنْبيَاء وَمُحَمّد بن عبد الله لم يكن نَبيا فتناقضه أظهر وَفَسَاد قَوْله أبين من هَذَا جَمِيعه بل وَكَذَلِكَ من قَالَ إِن