وَالدَّوَاب والأحمال وَنَحْو ذَلِك فَهَذَا مكاس عَلَيْهِ عُقُوبَة المكاسين وَقد اخْتلف الْفُقَهَاء جَوَاز قَتله وَلَيْسَ هُوَ من قطاع الطَّرِيق فَإِن الطَّرِيق لَا يَنْقَطِع بِهِ مَعَ أَنه أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الغامدية
لقد تابت تَوْبَة لَو تابها صَاحب مكس لغفر لَهُ
وَيجوز للمظلومين الَّذين ترَاد أَمْوَالهم قتل الْمُحَاربين بِإِجْمَاع الْمُسلمين وَلَا يجب أَن يبْذل لَهُم من المَال لَا قَلِيل وَلَا كثير إِذا أمكن قِتَالهمْ فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
من قتل دون مَاله فَهُوَ شَهِيد وَمن قتل دون دَمه فَهُوَ شَهِيد وَمن قتل دون دينه فَهُوَ شَهِيد وَمن قتل دون حرمته فَهُوَ شَهِيد وَهَذَا الَّذِي يُسَمِّيه الْفُقَهَاء الصَّائِل وَهُوَ الظَّالِم بِلَا تَأْوِيل وَلَا ولَايَة فَإِذا كَانَ مَطْلُوبه المَال جَازَ مَنعه بِمَا يُمكن فَإِذا لم ينْدَفع إِلَّا بِالْقِتَالِ قوتل وَإِن ترك الْقِتَال وَأَعْطَاهُمْ شَيْئا من المَال جَازَ وَأما إِذا كَانَ مَطْلُوبه الْحُرْمَة مثل أَن يطْلب الزِّنَا بمحارم الْإِنْسَان أَو يطْلب من الْمَرْأَة أَو الصَّبِي الْمَمْلُوك أَو غَيره الفجوربه فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ أَن يدْفع نَفسه بِمَا يُمكن وَلَو بِالْقِتَالِ وَلَا يجوز التَّمْكِين مِنْهُ بِحَال بِخِلَاف المَال فَإِنَّهُ يجوز التَّمْكِين مِنْهُ لِأَن بذل المَال جَائِز وبذل الْفُجُور بِالنَّفسِ أَو بِالْحُرْمَةِ غير جَائِز
وَأما إِذا كَانَ مَقْصُوده قتل الْإِنْسَان جَازَ لَهُ الدّفع عَن نَفسه وَهل يجب عَلَيْهِ قَتله أم لَا على قَوْلَيْنِ للْعُلَمَاء فِي مَذْهَب أَحْمد وَغَيره وَهَذَا إِذا كَانَ للنَّاس سُلْطَان فَأَما إِذا كَانَ وَالْعِيَاذ بِاللَّه فتْنَة مثل أَن يخْتَلف سلطانان للْمُسلمين ويقتتلان على الْملك فَهَل يجوز للْإنْسَان إِذا دخل أَحدهمَا بلد الآخر وَجرى السَّيْف أَن يدْفع عَن نَفسه فِي الْفِتْنَة أَو يستسلم فَلَا يُقَاتل فِيهَا على قَوْلَيْنِ لأهل الْعلم فِي مَذْهَب أَحْمد وَغَيره فَإِذا ظفر السُّلْطَان بالمحاربين الحرامية وَقد أخذُوا الْأَمْوَال الَّتِي للنَّاس فَعَلَيهِ أَن يسْتَخْرج مِنْهُم الْأَمْوَال الَّتِي للنَّاس ويردها عَلَيْهِم مَعَ إِقَامَة الْحَد على أبدانهم
وَكَذَلِكَ السَّارِق فَإِن امْتَنعُوا من إحضارهم المَال بعد ثُبُوته عَلَيْهِم عاقبهم بِالْحَبْسِ وَالضَّرْب حَتَّى يمكنوا من أَخذه بإحضاره أَو تَوْكِيل من يحضرهُ والإخبار بمكانه كَمَا يُعَاقب كل مُمْتَنع من حق وَجب عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ فَإِن الله قد أَبَاحَ للرجل فِي كِتَابه أَن يضْرب امْرَأَته إِذا نشزت فامتنعت من الْحق الْوَاجِب عَلَيْهَا حَتَّى تُؤَدِّيه فَهَؤُلَاءِ أولى وَأَحْرَى وَهَذَا الْمُطَالبَة والعقوبة حق لرب المَال فَإِن أَرَادَ هبتهم المَال أَو الْمُصَالحَة عَلَيْهِ أَو الْعَفو عَن عقوبتهم فَلهُ ذَلِك بِخِلَاف إِقَامَة الْحَد عَلَيْهِم فَإِنَّهُ لَا سَبِيل إِلَى الْعَفو عَنهُ بِحَال