للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَأخْبرهُ تَعَالَى أَنه جعل لكل من أهل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْقُرْآن شرعة ومنهاجا وَأمره تَعَالَى بالحكم بِمَا أنزل الله أَمر عَام لأهل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْقُرْآن لَيْسَ لأحد فِي وَقت من الْأَوْقَات أَن يحكم بِغَيْر مَا أنزل الله وَالَّذِي أنزلهُ الله هُوَ دين وَاحِد اتّفقت عَلَيْهِ الْكتب وَالرسل وهم متفقون فِي أصُول الدّين وقواعد الشَّرِيعَة وَإِن تنوعوا فِي الشرعة والمنهاج بَين نَاسخ ومنسوخ فَهُوَ شَبيه بتنوع حَال الْكتاب فَإِن الْمُسلمين كَانُوا أَولا مأمورين بِالصَّلَاةِ لبيت الْمُقَدّس ثمَّ أمروا أَن يصلوا إِلَى الْمَسْجِد الْحَرَام وَفِي كلا الْأَمريْنِ إِنَّمَا اتبعُوا مَا أنزل الله عز وَجل

وَكَذَلِكَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ مَأْمُورا بالسبت محرما عَلَيْهِ مَا حرمه الله فِي التَّوْرَاة وَهُوَ مُتبع مَا أنزلهُ الله عز وَجل والمسيح صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحل بعض مَا حرمه الله فِي التَّوْرَاة وَهُوَ مُتبع مَا أنزل الله عز وَجل فَلَيْسَ فِي أَمر الله لأهل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل أَن يحكموا بِمَا أنزل الله أَمر بِمَا نسخ كَمَا أَنه لَيْسَ فِي أَمر أهل الْقُرْآن أَن يحكموا بِمَا أنزل الله أَمر بِمَا نسخ بل كَانَ إِذا نَاسخ ومنسوخ فَالَّذِي أنزل الله هُوَ الحكم بالناسخ دون الْمَنْسُوخ فَمن حكم بالمنسوخ فقد حكم بِغَيْر مَا أنزل الله وَمِمَّا يُوضح هَذَا قَوْله تَعَالَى {قل يَا أهل الْكتاب لَسْتُم على شَيْء حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَمَا أنزل إِلَيْكُم من ربكُم وليزيدن كثيرا مِنْهُم مَا أنزل إِلَيْك من رَبك طغيانا وَكفرا فَلَا تأس على الْقَوْم الْكَافرين} فَإِن هَذَا يبين أَن هَذَا أَمر لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَقُول لأهل الْكتاب الَّذِي بعث إِلَيْهِم أَنهم لَيْسُوا على شَيْء حَتَّى يقيموا التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَمَا أنزل إِلَيْهِم من رَبهم فَدلَّ ذَلِك على أَنهم عِنْدهم مَا يعلم أَنه منزل من الله وَأَنَّهُمْ مأمورون بإقامته إِذا كَانَ ذَلِك مِمَّا قَرَّرَهُ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم ينسخه وَمَعْلُوم أَن كل مَا أَمر الله بِهِ على لِسَان نَبِي وَلم ينسخه النَّبِي الثَّانِي بل أقره كَانَ الله آمرا بِهِ على لِسَان نَبِي بعد نَبِي وَلم يكن فِي بعثة الثَّانِي مَا يضاد وجوب اتِّبَاع مَا أَمر بِهِ النَّبِي الأول وَقَررهُ النَّبِي الثَّانِي

وَلَا يجوز أَن يُقَال إِن الله ينْسَخ بِالْكتاب الثَّانِي جَمِيع مَا شَرعه بِالْكتاب الأول إِنَّمَا الْمَنْسُوخ قَلِيل بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا اتّفقت عَلَيْهِ الْكتب والشرائع

وَأَيْضًا فَفِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل مَا دلّ على نبوة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِذا حكم أهل التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل بِمَا أنزل الله فيهمَا حكمُوا بِمَا أوجب عَلَيْهِم اتِّبَاع مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذَا يدل على أَن فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل مَا يعلمُونَ أَن الله أنزلهُ إِذْ لَا يؤمرون أَن يحكموا بِمَا أنزل الله وَلَا يعلمُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>