فَهَذَا ثَنَاء مِنْهُ على الْمَسِيح وَالْإِنْجِيل وَأمر لِلنَّصَارَى بالحكم بِمَا أنزل الله فِيهِ كَمَا أثنى على مُوسَى والتوراة بأعظم مِمَّا عظم بِهِ الْمَسِيح وَالْإِنْجِيل فَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيهَا الرَّسُول لَا يحزنك الَّذين يُسَارِعُونَ فِي الْكفْر من الَّذين قَالُوا آمنا بأفواههم وَلم تؤمن قُلُوبهم وَمن الَّذين هادوا سماعون للكذب سماعون لقوم آخَرين لم يأتوك} أَي قَائِلُونَ للكذب مصدقون مستجيبون مطيعون لقوم آخَرين لم يأتوك فهم مصدقون للكذب مطيعون لما يخالفك وَأَنت رَسُول الله
فَكل من تَصْدِيق الْكَذِب وَالطَّاعَة لمن خَالف رَسُول الله من أعظم الذُّنُوب
وَلَفظ السَّمِيع يُرَاد بِهِ الإحساس بالصوت وَيُرَاد بِهِ فهم الْمَعْنى وَيُرَاد بِهِ قبُوله فَيُقَال فلَان سمع مَا يَقُول فلَان أَي يصدقهُ أَو يطيعه وَيقبل مِنْهُ بقوله سماعون للكذب أَي مصدقون بِهِ وَإِلَّا مُجَرّد سَماع صَوت الْكَاذِب وَفهم كَلَامه لَيْسَ مذموما على الْإِطْلَاق وَكَذَلِكَ سماعون لقوم آخَرين لم يأتوك أَي مستجيبون لَهُم مطيعون لَهُم كَمَا قَالَ فِي حق الْمُنَافِقين وَفِيكُمْ سماعون لَهُم أَي مستجيبون لَهُم مطيعون لَهُم وَمن قَالَ إِن المُرَاد بِهِ الجاسوس فَهُوَ غالط كغلط من قَالَ سماعون لَهُم هم الجواسيس فَإِن الجاسوس إِنَّمَا ينْقل خبر الْقَوْم إِلَى من لَا يعرفهُ وَمَعْلُوم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ مَا يذكرهُ وَيَأْمُر بِهِ ويفعله يرَاهُ ويسمعه كل من بِالْمَدِينَةِ مؤمنهم ومنافقهم وَلم يكن يقْصد أَن يكتم يهود الْمَدِينَة مَا يَقُوله ويفعله خلاف من كَانَ يَأْتِيهم من الْيَهُود وهم يصدقون الْكَذِب ويطيعون للْيَهُود الآخرين الَّذين لم يأتوه وَالله نهى نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يحزنهُ المسارعون فِي الْكفْر من هَاتين الطَّائِفَتَيْنِ المنافقتين الَّذين أظهرُوا الْإِيمَان بِهِ وَلم تؤمن قُلُوبهم وَمن أهل الْكتاب الَّذين يطْلبُونَ أَن يحكم بَينهم وَلَيْسَ مقصودهم أَن يطيعوه ويتبعوا حكمه بل إِن حكم بِمَا يهوونه قبلوه وَإِن حكم بِخِلَاف ذَلِك لم يقبلوه لكَوْنهم مُطِيعِينَ لقوم آخَرين لم يأتوه
قَالَ تَعَالَى {سماعون للكذب سماعون لقوم آخَرين لم يأتوك} أَي لم يأتك أُولَئِكَ الْقَوْم الْآخرُونَ يَقُولُونَ أَي يَقُول السماعون {إِن أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لم تؤتوه فاحذروا وَمن يرد الله فتنته فَلَنْ تملك لَهُ من الله شَيْئا أُولَئِكَ الَّذين لم يرد الله أَن يطهر قُلُوبهم لَهُم فِي الدُّنْيَا خزي وَلَهُم فِي الْآخِرَة عَذَاب عَظِيم}
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute