للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأما الْخَفي فَهُوَ اسْم لما اشْتبهَ مَعْنَاهُ وخفي المُرَاد مِنْهُ بِعَارِض فِي الصِّيغَة يمْنَع نيل المُرَاد بهَا إِلَّا بِالطَّلَبِ مَأْخُوذ من قَوْلهم اختفى فلَان إِذا استتر فِي وَطنه وَصَارَ بِحَيْثُ لَا يُوقف عَلَيْهِ بِعَارِض حِيلَة أحدثه إِلَّا بالمبالغة فِي الطّلب من غير أَن يُبدل نَفسه أَو مَوْضِعه وَهُوَ ضد الظَّاهِر وَقد جعل بَعضهم ضد الظَّاهِر الْمُبْهم وَفَسرهُ بِهَذَا الْمَعْنى أَيْضا مَأْخُوذ من قَول الْقَائِل ليل بهيم إِذا عَم الظلام فِيهِ كل شَيْء حَتَّى لَا يهتدى فِيهِ إِلَّا بِحَدّ التَّأَمُّل

قَالَ رَضِي الله عَنهُ وَلَكِنِّي اخْتَرْت الأول لِأَن اسْم الْمُبْهم يتَنَاوَل الْمُطلق لُغَة تَقول الْعَرَب فرس بهيم أَي مُطلق اللَّوْن

وَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أبهموا مَا أبهم الله تَعَالَى أَي أطْلقُوا مَا أطلق الله تَعَالَى وَلَا تقيدوا الْحُرْمَة فِي أُمَّهَات النِّسَاء بِالدُّخُولِ بالبنات

وَبَيَان مَا ذكرنَا من معنى الْخَفي فِي قَوْله تَعَالَى {وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا أَيْدِيهِمَا} فَإِنَّهُ ظَاهر فِي السَّارِق الَّذِي لم يخْتَص باسم آخر سوى السّرقَة يعرف بِهِ خَفِي فِي الطرار والنباش فقد اختصا باسم آخر هُوَ سَبَب سرقتهما يعرفان بِهِ فَاشْتَبَهَ الْأَمر أَن اختصاصهما بِهَذَا الِاسْم لنُقْصَان فِي معنى السّرقَة أَو زِيَادَة فِيهَا وَلأَجل ذَلِك اخْتلف الْعلمَاء

قَالَ أَبُو يُوسُف اخْتِصَاص النباش باسم هُوَ سَبَب سَرقته لَا يدل على نُقْصَان فِي سَرقته كالطرار وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد رحمهمَا الله السّرقَة اسْم لأخذ المَال على وَجه مسارقة عين حافظه مَعَ كَونه قَاصِدا إِلَى حفظه باعتراض غَفلَة لَهُ من نوم أَو غَيره والنباش يسارق عين من عَسى يهجم عَلَيْهِ مِمَّن لَيْسَ بحافظ للكفن وَلَا قَاصد إِلَى حفظه فَهُوَ يبين أَن اخْتِصَاصه بِهَذَا الِاسْم لنُقْصَان فِي معنى السّرقَة وَكَذَلِكَ فِي اسْم السّرقَة مَا ينبىء عَن خطر الْمَسْرُوق بِكَوْنِهِ محرزا مَحْفُوظًا وَفِي اسْم النباش مَا يَنْفِي هَذَا الْمَعْنى بل ينبىء عَن ضِدّه من الهوان وَترك الْإِحْرَاز والتعدية فِي مثل هَذَا لإِيجَاب الْعقُوبَة الَّتِي تدرأ بِالشُّبُهَاتِ بَاطِلَة فَأَما الطرار فاختصاصه بذلك الِاسْم لزِيَادَة حذق ولطف مِنْهُ فِي جِنَايَته فَإِنَّهُ يسارق عين من يكون مُقبلا على الْحِفْظ قَاصِدا لذَلِك بفترة تعتريه فِي لَحْظَة فَذَلِك ينبىء عَن مُبَالغَة فِي جِنَايَة السّرقَة وتعدية الحكم بِمثلِهِ مُسْتَقِيم فِي الْحُدُود لِأَنَّهُ إِثْبَات حكم النَّص بطرِيق الأولى بِمَنْزِلَة حُرْمَة الشتم وَالضَّرْب بِالنَّصِّ الْمحرم للتأفيف

<<  <  ج: ص:  >  >>