للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثمَّ حكم الْخَفي اعْتِقَاد الحقية فِي المُرَاد وَوُجُوب الطّلب إِلَى أَن يتَبَيَّن المُرَاد وفوقه الْمُشكل وَهُوَ ضد النَّص مَأْخُوذ من قَول الْقَائِل أشكل على كَذَا أَي دخل فِي أشكاله وَأَمْثَاله كَمَا يُقَال أحرم أَي دخل فِي الْحرم وأشتى أَي دخل فِي الشتَاء وأشأم أَي دخل الشَّام وَهُوَ اسْم لما يشْتَبه المُرَاد مِنْهُ بِدُخُولِهِ فِي أشكاله على وَجه لَا يعرف المُرَاد إِلَّا بِدَلِيل يتَمَيَّز بِهِ من بَين سَائِر الأشكال والمشكل قريب من الْمُجْمل وَلِهَذَا خَفِي على بَعضهم فَقَالُوا الْمُشكل والمجمل سَوَاء وَلَكِن بَينهمَا فرق فالتمييز بَين الأشكال ليوقف على المُرَاد قد يكون بِدَلِيل آخر وَقد يكون بالمبالغة فِي التَّأَمُّل حَتَّى يظْهر بِهِ الرَّاجِح فيتبين بِهِ المُرَاد فَهُوَ من هَذَا الْوَجْه قريب من الْخَفي وَلكنه فَوْقه فهناك الْحَاجة إِلَى التَّأَمُّل فِي الصِّيغَة وَفِي أشكالها وَحكمه اعْتِقَاد الحقية فِيمَا هُوَ المُرَاد ثمَّ الإقبال على الطّلب والتأمل فِيهِ إِلَى أَن يتَبَيَّن المُرَاد فَيعْمل بِهِ

وَأما الْمُجْمل فَهُوَ ضد الْمُفَسّر مَأْخُوذ من الْجُمْلَة وَهُوَ لفظ لَا يفهم المُرَاد مِنْهُ إِلَّا باستفسار من الْمُجْمل وَبَيَان من جِهَته يعرف بِهِ المُرَاد وَذَلِكَ إِمَّا لتوحش فِي معنى الِاسْتِعَارَة أَو فِي صِيغَة عَرَبِيَّة مِمَّا يُسَمِّيه أهل الْأَدَب لُغَة غَرِيبَة والغريب اسْم لمن فَارق وَطنه وَدخل فِي جملَة النَّاس فَصَارَ بِحَيْثُ لَا يُوقف على أَثَره إِلَّا بالاستفسار عَن وَطنه مِمَّن يعلم بِهِ وموجبه اعْتِقَاد الحقية فِيمَا هُوَ المُرَاد والتوقف فِيهِ إِلَى أَن يتَبَيَّن بِبَيَان الْمُجْمل ثمَّ استفساره ليبينه بِمَنْزِلَة من ضل عَن الطَّرِيق وَهُوَ يَرْجُو أَن يُدْرِكهُ بالسؤال مِمَّن لَهُ معرفَة بِالطَّرِيقِ أَو بِالتَّأَمُّلِ فِيمَا ظهر لَهُ مِنْهُ فَيحْتَمل أَن يدْرك بِهِ الطَّرِيق

وَتبين أَن الْمُجْمل فَوق الْمُشكل فَإِن المُرَاد فِي الْمُشكل قَائِم وَالْحَاجة إِلَى تَمْيِيزه من أشكاله وَالْمرَاد فِي الْمُجْمل غير قَائِم وَلَكِن فِيهِ توهم معرفَة المُرَاد بِالْبَيَانِ وَالتَّفْسِير وَذَلِكَ الْبَيَان دَلِيل آخر غير مُتَّصِل بِهَذِهِ الصِّيغَة إِلَّا أَن يكون لفظ الْمُجْمل فِيهِ غَلَبَة الِاسْتِعْمَال لِمَعْنى فَحِينَئِذٍ يُوقف على المُرَاد بذلك الطَّرِيق بِمَنْزِلَة الْغَرِيب الَّذِي تأهل فِي غير بلدته وَصَارَ مَعْرُوفا فِيهَا فَإِنَّهُ يُوقف على أَثَره بِالطَّلَبِ فِي ذَلِك الْموضع

وَبَيَان مَا ذكرنَا من الْمُجْمل فِي قَوْله تَعَالَى {وَحرم الرِّبَا} فَإِنَّهُ مُجمل لِأَن الرِّبَا عبارَة عَن الزِّيَادَة فِي أصل الْوَضع وَقد علمنَا أَنه لَيْسَ المُرَاد ذَلِك فَإِن البيع مَا شرع إِلَّا للاسترباح وَطلب الزِّيَادَة

<<  <  ج: ص:  >  >>