للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَكِن المُرَاد حُرْمَة البيع بِسَبَب فضل خَال عَن الْعِوَض مَشْرُوط فِي العقد وَذَلِكَ فضل مَال أَو فضل حَال على مَا يعرف فِي مَوْضِعه وَمَعْلُوم أَن بِالتَّأَمُّلِ فِي الصِّيغَة لَا يعرف هَذَا بل بِدَلِيل آخر فَكَانَ مُجملا فِيمَا هُوَ المُرَاد وَكَذَلِكَ الصَّلَاة وَالزَّكَاة فهما مجملان لِأَن الصِّيغَة فِي أصل الْوَضع للدُّعَاء والنماء وَلَكِن بِكَثْرَة الِاسْتِعْمَال شرعا فِي أَعمال مَخْصُوصَة يُوقف على المُرَاد بِالتَّأَمُّلِ فِيهِ

وَأما الْمُتَشَابه فَهُوَ اسْم لما انْقَطع رَجَاء معرفَة المُرَاد مِنْهُ لمن اشْتبهَ فِيهِ عَلَيْهِ وَالْحكم فِيهِ اعْتِقَاد الحقية وَالتَّسْلِيم بترك الطّلب والاشتغال بِالْوُقُوفِ على المُرَاد مِنْهُ سمي متشابها عِنْد بَعضهم لاشتباه الصِّيغَة بهَا وتعارض الْمعَانِي فِيهَا وَهَذَا غير صَحِيح فالحروف الْمُقطعَة فِي أَوَائِل السُّور من المتشابهات عِنْد أهل التَّفْسِير وَلَيْسَ فِيهَا هَذَا الْمَعْنى وَلَكِن معرفَة المُرَاد فِيهِ مَا يشبه لَفظه وَمَا يجوز أَن يُوقف على المُرَاد فِيهِ وَهُوَ بِخِلَاف ذَلِك لانْقِطَاع احْتِمَال معرفَة المُرَاد فِيهِ وَأَنه لَيْسَ لَهُ مُوجب سوى اعْتِقَاد الحقية فِيهِ وَالتَّسْلِيم كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَمَا يعلم تَأْوِيله إِلَّا الله} فالوقف عندنَا فِي هَذَا الْموضع ثمَّ قَوْله تَعَالَى {والراسخون فِي الْعلم} ابْتِدَاء بِحرف الْوَاو لحسن نظم الْكَلَام وَبَيَان أَن الراسخ فِي الْعلم من يُؤمن بالمتشابه وَلَا يشْتَغل بِطَلَب المُرَاد فِيهِ بل يقف فِيهِ مُسلما هُوَ معنى قَوْله تَعَالَى {يَقُولُونَ آمنا بِهِ كل من عِنْد رَبنَا} وَهَذَا لِأَن الْمُؤمنِينَ فريقان مبتلي بالإمعان فِي الطّلب لضرب من الْجَهْل فِيهِ ومبتلي عَن الْوُقُوف فِي الطّلب لكَونه مكرما بِنَوْع من الْعلم

وَمعنى الِابْتِلَاء من هَذَا الْوَجْه رُبمَا يزِيد على معنى الِابْتِلَاء فِي الْوَجْه الأول فَإِن فِي الِابْتِلَاء بِمُجَرَّد الِاعْتِقَاد مَعَ التَّوَقُّف فِي الطّلب بَيَان أَن مُجَرّد الْعقل لَا يُوجب شَيْئا وَلَا يدْفع شَيْئا فَإِنَّهُ يلْزمه اعْتِقَاد الحقية فِيمَا لَا مجَال لعقله فِيهِ ليعرف أَن الحكم لله يفعل مَا يَشَاء وَيحكم مَا يُرِيد وَهَذَا هُوَ الْمَعْنى فِي الِابْتِلَاء بِهَذِهِ الْأَسَامِي الَّتِي فِيهَا تفَاوت يَعْنِي الْمُجْمل والمشكل والخفي فَإِن الْكل لَو كَانَ ظَاهرا جليا بَطل معنى الامتحان ونيل الثَّوَاب بالجهد بِالطَّلَبِ وَلَو كَانَ الْكل مُشكلا خفِيا لم يعلم مِنْهُ شَيْء حَقِيقَة فَأثْبت الشَّرْع هَذَا التَّفَاوُت فِي صِيغَة الْخطاب لتحقيق الْقُلُوب إِلَى محبتهم لحاجتهم إِلَى الرُّجُوع إِلَيْهِم وَالْأَخْذ بقَوْلهمْ والاقتداء بهم

وَبَيَان مَا ذكرنَا من معنى الْمُتَشَابه من مسَائِل الْأُصُول أَن رُؤْيَة الله تَعَالَى بالأبصار فِي الْآخِرَة حق مَعْلُوم ثَابت بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وُجُوه}

<<  <  ج: ص:  >  >>