لِأَن النَّسْل لَا تصور لَهُ فِي هَذَا الْمحل وَالْحُرْمَة هُنَا أبلغ من الْحُرْمَة فِي الْفِعْل الَّذِي يكون فِي الْقبل فَإِنَّهَا حُرْمَة لَا تنكشف بِحَال وَإِنَّمَا يُبدل اسْم الْمحل فَقَط فَيكون الحكم ثَابتا بِدلَالَة النَّص لَا بطرِيق الْقيَاس
وَأَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ يَقُول هُوَ قَاصِر فِي الْمَعْنى الَّذِي وَجب الْحَد بِاعْتِبَارِهِ فَإِن الْحَد مَشْرُوع زجرا وَذَلِكَ عِنْد دُعَاء الطَّبْع إِلَيْهِ وَدُعَاء الطَّبْع إِلَى مُبَاشرَة هَذَا الْفِعْل فِي الْقبل من الْجَانِبَيْنِ فَأَما فِي الدبر دُعَاء الطَّبْع إِلَيْهِ من جَانب الْفَاعِل لَا من جَانب الْمَفْعُول بِهِ وَفِي بَاب الْعُقُوبَات تعْتَبر صفة الْكَمَال لما فِي النُّقْصَان من شُبْهَة الْعَدَم ثمَّ فِي الزِّنَا إِفْسَاد الْفراش وَإِتْلَاف الْوَلَد حكما فَإِن الْوَلَد الَّذِي يتخلق من المَاء فِي ذَلِك الْمحل لَا يعرف لَهُ وَالِد لينفق عَلَيْهِ وبالنساء عجز عَن الِاكْتِسَاب والإنفاق وَلَا يُوجد هَذَا الْمَعْنى فِي الدبر فَإِنَّمَا فِيهِ مُجَرّد تَضْييع المَاء بالصب فِي غير مَحل منبت وَذَلِكَ قد يكون مُبَاحا بطرِيق الْعَزْل فَعرفنَا أَنه دون الزِّنَا فِي الْمَعْنى الَّذِي لأَجله أوجب الْحَد وَلَا مُعْتَبر بتأكد الْحُرْمَة فِي حكم الْعقُوبَة أَلا ترى أَن حُرْمَة الدَّم وَالْبَوْل آكِد من حُرْمَة الْخمر ثمَّ الْحَد يجب بِشرب الْخمر وَلَا يجب بِشرب الدَّم وَالْبَوْل للتفاوت فِي معنى دُعَاء الطَّبْع من الْوَجْه الَّذِي قَررنَا وَلِهَذَا قُلْنَا فِي قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَا قَود إِلَّا بِالسَّيْفِ إِن الْقصاص يجب إِذا حصل الْقَتْل بِالرُّمْحِ أَو النشابة لِأَن لعبارة النَّص معنى مَعْلُوما فِي اللُّغَة وَذَلِكَ الْمَعْنى كَامِل فِي الْقَتْل بِالرُّمْحِ والنشابة وَقد عرفنَا أَن المُرَاد بِذكر السَّيْف الْقَتْل بِهِ لَا قَبضه وَإِنَّمَا السَّيْف آلَة يحصل بِهِ الْقَتْل فَإِذا حصل بِآلَة أُخْرَى مثل ذَلِك الْقَتْل تعلق حكم الْقصاص بِهِ بِدلَالَة النَّص لَا بِالْقِيَاسِ
ثمَّ قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله الْمَعْنى الْمَعْلُوم بِذكر السَّيْف لُغَة أَنه نَاقض للبنية بِالْجرْحِ وَظُهُور أَثَره فِي الظَّاهِر وَالْبَاطِن فَلَا يثبت هَذَا الحكم فِيمَا لَا يماثله فِي هَذَا الْمَعْنى وَهُوَ الْحجر والعصا
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد رحمهمَا الله الْمَعْنى الْمَعْلُوم بِهِ لُغَة أَن النَّفس لَا تطِيق احْتِمَاله وَدفع أَثَره فَيثبت الحكم بِهَذَا الْمَعْنى فِي الْقَتْل بالمثقل وَيكون ثَابتا بِدلَالَة النَّص قَالَا لِأَن الْقَتْل نقض البنية وَذَلِكَ بِفِعْلِهِ لَا تحتمله البنية مَعَ صفة السَّلامَة وَهَذَا الْمَعْنى فِي المثقل أظهر فَإِن إِلْقَاء حجر الرَّحَى والاسطوانة على إِنْسَان لَا تحتمله البنية بِنَفسِهَا وَالْقَتْل بِالْجرْحِ لَا تحتمله البنية بِوَاسِطَة السَّرَايَة وَإِذا كَانَ هَذَا أتم فِي الْمَعْنى الْمُعْتَبر كَانَ ثُبُوت الحكم فِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute