لتحسين الْكَلَام بِهِ فَإِنَّهُ مُسْتَعْمل كَمَا بَينا وَلِهَذَا لَو قَالَ لفُلَان عَليّ إِن هَذَا الْوَاو للنظم حَتَّى ينْصَرف الِاسْتِثْنَاء إِلَى سمة الْفسق دون مَا تقدمه
وَالشَّافِعِيّ يَجْعَل هَذَا الْوَاو للْعَطْف وَالْوَاو الَّذِي فِي قَوْله {وَلَا تقبلُوا لَهُم} للنظم حَتَّى يكون الِاسْتِثْنَاء منصرفا إِلَيْهِمَا دون الْجلد فَلَا يسْقط الْجلد بِالتَّوْبَةِ
وَالصَّحِيح مَا قُلْنَا فَإِن من حَيْثُ الصِّيغَة معنى الْعَطف يتَحَقَّق فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَا تقبلُوا} وَلَا يتَحَقَّق فِي قَوْله تَعَالَى {وَأُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ} لِأَن قَول الْقَائِل اجْلِسْ وَلَا تَتَكَلَّم يكون عطفا صَحِيحا فَكَذَلِك قَوْله تَعَالَى {فاجلدوا}
{وَلَا تقبلُوا} لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا خطاب للأئمة فَأَما قَوْله تَعَالَى {وَأُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ} لَيْسَ بخطاب للأئمة وَلَكِن إِخْبَار عَن وصف القاذفين فَلَا يصلح مَعْطُوفًا على مَا هُوَ خطاب فجعلناه للنظم وَكَذَلِكَ من حَيْثُ الْمَعْنى قَوْله تَعَالَى {وَلَا تقبلُوا} صَالح لِأَن يكون متمما للحد مَعْطُوفًا على الْجلد فَإِن إهدار قَوْله فِي الشَّهَادَات شرعا مؤلم كالجلد وَهَذَا الْأَلَم عِنْد الْعُقَلَاء يزْدَاد على ألم الْجلد فيصلح متمما للحد زاجرا عَن سَببه وَلِهَذَا خُوطِبَ بِهِ الْأَئِمَّة فَإِن إِقَامَة الْحَد إِلَيْهِم فَأَما قَوْله تَعَالَى {وَأُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ} فَمَعْنَاه العاصون وَذَلِكَ بَيَان لجريمة الْقَاذِف فَلَا يصلح جَزَاء على الْقَذْف حَتَّى يكون متمما للحد بل الْمَقْصُود بِهِ إِزَالَة إِشْكَال كَانَ يَقع عَسى وَهُوَ أَن الْقَذْف خبر متميل وَرُبمَا يكون حسبَة إِذا كَانَ الرَّامِي صَادِقا وَله أَرْبَعَة من الشُّهُود وَالزَّانِي مصر فَكَانَ يَقع الْإِشْكَال أَنه لما كَانَ سَببا لوُجُوب عُقُوبَة تندرىء بِالشُّبُهَاتِ فأزال الله هَذَا الْإِشْكَال بقوله {وَأُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ} أَي العاصون بهتك ستر الْعِفَّة من غير فَائِدَة حِين عجزوا عَن إِقَامَة أَرْبَعَة من الشُّهَدَاء وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي قَوْله تَعَالَى {فَإذْ لم يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِك عِنْد الله هم الْكَاذِبُونَ} ويتبين بِهَذَا التَّحْقِيق أَن الْعَمَل بِالنَّصِّ كَمَا يُوجِبهُ فِيمَا قُلْنَا فَإنَّا جعلنَا الْعَجز عَن إِقَامَة أَرْبَعَة كَمَا هُوَ مُوجب حرف ثمَّ فَإِنَّهُ للتعقيب مَعَ التَّرَاخِي وَجَعَلنَا الْوَاو فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَا تقبلُوا} للْعَطْف فَكَانَ رد الشَّهَادَة متمما للحد كَمَا هُوَ مُوجب من الشُّهَدَاء
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute