للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لثُبُوت الْإِيمَان حَقِيقَة أَلا ترى أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يمْتَحن النَّاس بذلك حَتَّى قَالَ للأعرابي الَّذِي شهد بِرُؤْيَة الْهلَال أَتَشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله فَقَالَ نعم

فَقَالَ الله أكبر يَكْفِي الْمُسلمين أحدهم وَلما سَأَلَهُ جِبْرِيل عَن الْإِيمَان وَالْإِسْلَام لأجل تَعْلِيم النَّاس معالم الدّين بَين ذَلِك على سَبِيل الْإِجْمَال

وَكتاب الله يشْهد بذلك قَالَ تَعَالَى {فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فَإِن علمتموهن مؤمنات فَلَا ترجعوهن} وَقد كَانَ هَذَا الامتحان من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْمُسْلِمين بالاستيصاف على الْإِجْمَال وَهَذَا لِأَن الْمُطلق عِنْد الاستيصاف يكون مَحْمُولا على الْكَامِل كَمَا هُوَ الأَصْل وَقد يعجز الْمَرْء عَن إِظْهَار مَا يَعْتَقِدهُ بعبارته فَيَنْبَغِي أَن يكون الاستيصاف بِذكر ذَلِك على وَجه اسْتِفْهَام الْمُخَاطب أَنه هَل يعْتَقد كَذَا وَكَذَا فَإِذا قَالَ نعم كَانَ مُؤمنا حَقِيقَة وَإِن كَانَ قَالَ لَا أعرف مَا تَقول أَو لَا أعتقد ذَلِك فَحِينَئِذٍ يحكم بِكُفْرِهِ وَكَذَلِكَ من ظهر مِنْهُ أَمَارَات الْمعرفَة نَحْو أَدَاء الصَّلَاة بِالْجَمَاعَة مَعَ الْمُسلمين فَإِن ذَلِك يقوم مقَام الْوَصْف فِي الحكم بإيمانه مُطلقًا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام إِذا رَأَيْتُمْ الرجل يعْتَاد الْجَمَاعَات فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَان وَلَا يخْتَلف مَا ذكرنَا بِالرّقِّ وَالْحريَّة والذكورة وَالْأُنُوثَة والعمى وَالْبَصَر فَلهَذَا جعلنَا خبر هَؤُلَاءِ فِي كَونه حجَّة فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة بِصفة وَاحِدَة لِأَن الشَّرَائِط الَّتِي يبتنى عَلَيْهَا وجوب قبُول الْخَبَر يتَحَقَّق فِي الْكل

أما العَبْد فَلَا شكّ فِي استجماع هَذِه الشَّرَائِط فِيهِ وَإِن لم يكن من أهل الشَّهَادَة لِأَن الْأَهْلِيَّة للشَّهَادَة تبتنى على الْأَهْلِيَّة للولاية على الْغَيْر وَالرّق يَنْفِي هَذِه الْولَايَة وَهَذَا لِأَن الشَّهَادَة تَنْفِيذ القَوْل على الْغَيْر وَذَلِكَ يَنْعَدِم فِي الْخَبَر من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن الْمخبر لَا يلْزم أحدا شَيْئا وَلَكِن السَّامع إِنَّمَا يلْتَزم باعتقاده أَن الْمخبر عَنهُ مفترض الطَّاعَة (فَإِذا ترجح جَانب الصدْق فِي خبر الْمخبر ضاهى ذَلِك المسموع مِمَّن هُوَ مفترض الطَّاعَة) فِي اعْتِقَاده فَيلْزمهُ الْعَمَل بِاعْتِبَار اعْتِقَاده كَالْقَاضِي يلْزمه الْقَضَاء بِالشَّهَادَةِ بتقلده هَذِه الْأَمَانَة لَا بإلزام الشَّاهِد إِيَّاه فَإِن كَلَام الشَّاهِد يلْزم الْمَشْهُود عَلَيْهِ دون القَاضِي

وَبَيَان هَذَا أَن قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام لَا صَلَاة إِلَّا بِقِرَاءَة لَيْسَ فِي ظَاهره إِلْزَام أحد شَيْئا بل بَيَان صفة تتأدى بِهِ الصَّلَاة إِذا أرادها بِمَنْزِلَة قَول

<<  <  ج: ص:  >  >>