الْقَائِل لَا خياطَة إِلَّا بالإبرة
وَالثَّانِي أَن الْمخبر يلْتَزم أَولا ثمَّ يتَعَدَّى حكم اللُّزُوم إِلَى غَيره من السامعين فَأَما الشَّاهِد فَإِنَّهُ يلْزم غَيره ابْتِدَاء وَلِهَذَا جعلنَا العَبْد بِمَنْزِلَة الْحر فِي الشَّهَادَة الَّتِي يكون فِيهَا الْتِزَام على الْوَجْه الَّذِي يكون فِي الْخَبَر وَهُوَ الشَّهَادَة على رُؤْيَة هِلَال رَمَضَان
ثمَّ قد صَحَّ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُجيب دَعْوَة الْمَمْلُوك فَدلَّ أَنه كَانَ يعْتَمد خَبره بِأَن مَوْلَاهُ أذن لَهُ
وسلمان رَضِي الله عَنهُ حِين كَانَ عبدا أَتَاهُ بِصَدقَة فاعتمد خَبره وَأمر أَصْحَابه بِالْأَكْلِ ثمَّ أَتَاهُ بهدية فاعتمد خَبره وَأكل مِنْهُ
وَكَانَ يعْتَمد خبر بَرِيرَة رَضِي الله عَنْهَا قبل أَن تعْتق وَبعد عتقهَا فَدلَّ أَن الْمَمْلُوك فِي حكم قبُول الْخَبَر كَالْحرِّ وَأَن الْأُنْثَى فِي ذَلِك كالذكر وَإِن تَفَاوتا فِي حكم الشَّهَادَة لِأَنَّهُ يشْتَرط الْعدَد فِي النِّسَاء لثُبُوت معنى الشَّهَادَة وَفِي بَاب الْخَبَر الْعدَد لَيْسَ بِشَرْط فَكَمَا فَارق الشَّهَادَة الْخَبَر فِي اشْتِرَاط أصل الْعدَد فَكَذَلِك فِي اشْتِرَاط الْعدَد فِي النِّسَاء أَلا ترى أَن الصَّحَابَة كَانُوا يرجعُونَ إِلَى أَزوَاج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا يشكل عَلَيْهِم من أَمر الدّين فيعتمدون خبرهن
وَقَالَ رَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام تأخذون ثُلثي دينكُمْ من عَائِشَة وَأما الْعَمى فَإِنَّهُ لَا يُؤثر فِي الْخَبَر لِأَنَّهُ لَا يقْدَح فِي الْعَدَالَة أَلا ترى أَنه قد كَانَ فِي الرُّسُل من ابْتُلِيَ بذلك كشعيب وَيَعْقُوب وَكَانَ فِي الصَّحَابَة من ابْتُلِيَ بِهِ كَابْن أم مَكْتُوم وعتبان بن مَالك رَضِي الله عَنْهُمَا وَفِيهِمْ من كف بَصَره كَابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَجَابِر وواثلة بن الْأَسْقَع رَضِي الله عَنْهُم وَالْأَخْبَار المروية عَنْهُم مَقْبُولَة وَلم يشْتَغل أحد بِطَلَب التَّارِيخ فِي ذَلِك أَنهم رووا فِي حَالَة الْبَصَر أم بعد الْعَمى وَهَذَا بِخِلَاف الشَّهَادَة فَإِن شَهَادَتهم إِنَّمَا لَا تقبل لحَاجَة الشَّاهِد إِلَى تَمْيِيز بَين الْمَشْهُود لَهُ والمشهود عَلَيْهِ عِنْد الْأَدَاء وَهَذَا التَّمْيِيز من الْبَصِير يكون بالمعاينة وَمن الْأَعْمَى بالاستدلال وَبَينهمَا تفَاوت يُمكن التَّحَرُّز عَنهُ فِي جنس الشُّهُود وَفِي رِوَايَة الْخَبَر لَا حَاجَة إِلَى هَذَا التَّمْيِيز فَكَانَ الْأَعْمَى والبصير فِيهِ سَوَاء والمحدود فِي الْقَذْف بعد التَّوْبَة فِي رِوَايَة الْخَبَر كَغَيْرِهِ فِي ظَاهر الْمَذْهَب فَإِن أَبَا بكرَة رَضِي الله عَنهُ مَقْبُول الْخَبَر وَلم يشْتَغل أحد بِطَلَب التَّارِيخ فِي خَبره أَنه روى بَعْدَمَا أقيم عَلَيْهِ الْحَد أم قبله بِخِلَاف
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute