فَإِن لم يكن نَص على أَن أدنى مَا تَنْتفِي بِهِ الرِّيبَة شَهَادَة شَاهِدين بِهَذِهِ الصّفة وَلَيْسَ دون الْأَدْنَى شَيْء آخر تَنْتفِي بِهِ الرِّيبَة وَلِأَنَّهُ نقل الحكم من استشهاد الرجل الثَّانِي بعد شَهَادَة الشَّاهِد الْوَاحِد إِلَى استشهاد امْرَأتَيْنِ مَعَ أَن حُضُور النِّسَاء مجَالِس الْقَضَاء لأَدَاء الشَّهَادَة خلاف الْعَادة وَقد أمرن بالقرار فِي الْبيُوت شرعا فَلَو كَانَ يَمِين الْمُدَّعِي مَعَ الشَّاهِد الْوَاحِد حجَّة لما نقل الحكم إِلَى استشهاد امْرَأتَيْنِ وَهُوَ خلاف الْمُعْتَاد مَعَ تمكن الْمُدَّعِي من إتْمَام حجَّته بِيَمِينِهِ
وبمثل هَذَا الطَّرِيق جعلنَا شَهَادَة أهل الذِّمَّة بَعضهم على بعض حجَّة لِأَن الله تَعَالَى نقل الحكم عَن استشهاد مُسلمين على وَصِيَّة الْمُسلم إِلَى استشهاد ذميين بقوله تَعَالَى {أَو آخرَانِ من غَيْركُمْ} مَعَ أَن حُضُور أهل الذِّمَّة مجَالِس الْقُضَاة لأَدَاء الشَّهَادَة خلاف الْمُعْتَاد فَذَلِك دَلِيل ظَاهر على أَن الْحجَّة تقوم بِشَهَادَتِهِم فِي الْجُمْلَة
وَهُوَ دَلِيل أَيْضا على رد خبر الْقَضَاء بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين لِأَنَّهُ نقل الحكم إِلَى استشهاد ذميين عِنْد عدم شَاهِدين مُسلمين فَلَو كَانَ الشَّاهِد الْوَاحِد مَعَ يَمِين الْمُدَّعِي حجَّة لَكَانَ الأولى بَيَان ذَلِك عِنْد الْحَاجة وَذكر فِي الْآيَة يَمِين الشَّاهِدين ظَاهرا عِنْد الرِّيبَة مَعَ أَن ذَلِك لَيْسَ بِحجَّة الْيَوْم (لأجل النّسخ) فَلَو كَانَ بِيَمِين الْمُدَّعِي تَنْتفِي الرِّيبَة أَو تتمّ الْحجَّة لَكَانَ الأولى ذكر يَمِينه عِنْد الْحَاجة
فبهذه الْوُجُوه يتَبَيَّن أَن خبر الْقَضَاء بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين مُخَالف للْكتاب فتركنا الْعَمَل بِهِ لهَذَا وَكَذَلِكَ الْغَرِيب من أَخْبَار الْآحَاد إِذا خَالف السّنة الْمَشْهُورَة فَهُوَ مُنْقَطع فِي حكم الْعَمَل بِهِ لِأَن مَا يكون متواترا من السّنة أَو مستفيضا أَو مجمعا عَلَيْهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْكتاب فِي ثُبُوت علم الْيَقِين بِهِ وَمَا فِيهِ شُبْهَة فَهُوَ مَرْدُود فِي مُقَابلَة الْيَقِين وَكَذَلِكَ الْمَشْهُور من السّنة فَإِنَّهُ أقوى من الْغَرِيب لكَونه أبعد عَن مَوضِع الشُّبْهَة وَلِهَذَا جَازَ النّسخ بالمشهور دون الْغَرِيب فالضعيف لَا يظْهر فِي مُقَابلَة الْقوي