للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِهَذَا لم يعْمل بِخَبَر الْقَضَاء بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين لِأَنَّهُ مُخَالف للسّنة الْمَشْهُورَة وَهُوَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على من أنكر من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن فِي هَذَا الحَدِيث بَيَان أَن الْيَمين فِي جَانب الْمُنكر دون الْمُدَّعِي وَالثَّانِي أَن فِيهِ بَيَان أَنه لَا يجمع بَين الْيَمين وَالْبَيِّنَة فَلَا تصلح الْيَمين متممة للبينة بِحَال وَلِهَذَا الأَصْل لم يعْمل أَبُو حنيفَة بِخَبَر سعد بن أبي وَقاص رَضِي الله عَنهُ فِي بيع الرطب بِالتَّمْرِ أَن النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ أينتقص إِذا جف قَالُوا نعم

قَالَ فَلَا إِذا لِأَنَّهُ مُخَالف للسّنة الْمَشْهُورَة وَهُوَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام التَّمْر بِالتَّمْرِ مثل بِمثل من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن فِيهَا اشْتِرَاط الْمُمَاثلَة فِي الْكَيْل مُطلقًا لجَوَاز العقد فالتقييد بِاشْتِرَاط الْمُمَاثلَة فِي أعدل الْأَحْوَال وَهُوَ بعد الجفوف يكون زِيَادَة وَالثَّانِي أَنه جعل فضلا يظْهر بِالْكَيْلِ هُوَ الْحَرَام فِي السّنة الْمَشْهُورَة فَجعل فضل يظْهر عِنْد فَوَات وصف مَرْغُوب فِيهِ رَبًّا حَرَامًا يكون مُخَالفا لذَلِك الحكم إِلَّا أَن أَبَا يُوسُف ومحمدا قَالَا السّنة الْمَشْهُورَة لَا تتَنَاوَل الرطب لِأَن مُطلق اسْم التَّمْر لَا يتَنَاوَلهُ بِدَلِيل أَن من حلف لَا يَأْكُل تَمرا فَأكل رطبا لم يَحْنَث وَلَو حلف لَا يَأْكُل هَذَا الرطب فَأَكله بعد مَا صَار تَمرا لم يَحْنَث فَإِذا لم تتناوله السّنة الْمَشْهُورَة وَجب إِثْبَات الحكم فِيهِ بالْخبر الآخر

وَأَبُو حنيفَة قَالَ التَّمْر اسْم للثمرة الْخَارِجَة من النّخل من حِين تَنْعَقِد صورتهَا إِلَى أَن تدْرك وَمَا يخْتَلف عَلَيْهِ أَحْوَال وأوصاف حسب مَا يكون على الْآدَمِيّ لَا يتبدل بِهِ اسْم الْعين وَفِي الْأَيْمَان تتْرك الْحَقَائِق لدلَالَة الْعرف وَالْيَمِين تتقيد بِوَصْف فِي الْعين إِذا كَانَ دَاعيا إِلَى الْيَمين

فَفِي هذَيْن النَّوْعَيْنِ من الانتقاد للْحَدِيث علم كثير وصيانة للدّين بليغة فَإِن أصل الْبدع والأهواء إِنَّمَا ظهر من قبل ترك عرض أَخْبَار الْآحَاد على الْكتاب وَالسّنة الْمَشْهُورَة فَإِن قوما جعلوها أصلا مَعَ الشُّبْهَة فِي اتصالها برَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام وَمَعَ أَنَّهَا لَا توجب علم الْيَقِين ثمَّ تأولوا عَلَيْهَا الْكتاب وَالسّنة الْمَشْهُورَة فَجعلُوا التبع متبوعا وَجعلُوا الأساس مَا هُوَ غير مُتَيَقن بِهِ فوقعوا فِي الْأَهْوَاء والبدع بِمَنْزِلَة من أنكر خبر الْوَاحِد فَإِنَّهُ لما لم يجوز الْعَمَل بِهِ احْتَاجَ إِلَى الْقيَاس ليعْمَل بِهِ وَفِيه أَنْوَاع من الشُّبْهَة أَو إِلَى اسْتِصْحَاب الْحَال وَهُوَ لَيْسَ

<<  <  ج: ص:  >  >>