وَقد انتسخ ذَلِك بعده وَكَذَلِكَ جَوَاز الِاسْتِمْتَاع بِمن هُوَ بعض من {حرم إِسْرَائِيل على نَفسه} الْآيَة والنسخ لَيْسَ إِلَّا تَحْرِيم الْمُبَاح أَو إِبَاحَة الْحَرَام وَكَذَلِكَ الْعَمَل فِي السبت كَانَ مُبَاحا قبل زمن مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام فَإِنَّهُم يوافقوننا على أَن حُرْمَة الْعَمَل فِي السبت من شَرِيعَة مُوسَى وَإِنَّمَا يكون من شَرِيعَته إِذا كَانَ ثُبُوته بنزول الْوَحْي عَلَيْهِ فَأَما إِذا كَانَ ذَلِك قبل شَرِيعَته على هَذَا الْوَجْه أَيْضا فَلَا فَائِدَة فِي تَخْصِيصه أَنه شَرِيعَته فَإِذا جَازَ ثُبُوت الْحُرْمَة فِي شَرِيعَته بعد مَا كَانَ مُبَاحا جَازَ ثُبُوت الْحل فِي شَرِيعَة نَبِي آخر قَامَت الدّلَالَة على صِحَة نبوته
وَمن حَيْثُ الْمَعْقُول الْكَلَام من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن النّسخ فِي المشروعات الَّتِي يجوز أَن تكون مَشْرُوعا وَيجوز أَن لَا تكون وَمَعْلُوم أَن هَذِه المشروعات شرعها الله تَعَالَى على سَبِيل الِابْتِلَاء لِعِبَادِهِ حَتَّى يُمَيّز الْمُطِيع من العَاصِي
وَمعنى الِابْتِلَاء يخْتَلف باخْتلَاف أَحْوَال النَّاس وباختلاف الْأَوْقَات فَإِن فِي هَذَا الِابْتِلَاء حِكْمَة بَالِغَة وَلَيْسَ ذَلِك إِلَّا مَنْفَعَة للعباد فِي ذَلِك عَاجلا أَو آجلا لِأَن الله تَعَالَى يتعالى عَن أَن يلْحقهُ المضار وَالْمَنَافِع وَمَا لَا مَنْفَعَة فِيهِ أصلا يكون عَبَثا ضدا للحكمة ثمَّ قد تكون الْمَنْفَعَة فِي إِثْبَات شَيْء فِي وَقت وَفِي نَفْيه فِي وَقت آخر كإيجاب الصَّوْم فِي النَّهَار إِلَى غرُوب الشَّمْس أَو طُلُوع النُّجُوم كَمَا هُوَ مَذْهَبهم وَنفي الصَّوْم بعد ذَلِك وَيخْتَلف ذَلِك باخْتلَاف أَحْوَال النَّاس كوجوب اعتزال الْمَرْأَة فِي حَالَة الْحيض وَانْتِفَاء ذَلِك بَعْدَمَا طهرت أَلا ترى أَنه لَو نَص على ذكر الْوَقْت فِيهِ بِأَن قَالَ حرمت عَلَيْكُم الْعَمَل فِي السبت ألف سنة ثمَّ هُوَ مُبَاح بعد ذَلِك كَانَ مُسْتَقِيمًا وَكَانَ معنى الِابْتِلَاء فِيهِ متحققا وَلم يكن فِيهِ من معنى البداء شَيْء فَكَذَلِك عِنْد إِطْلَاق اللَّفْظ فِي التَّحْرِيم
حِين شَرعه لَا يكون فِيهِ من معنى البداء شَيْء بل يكون امتحانا للمخاطبين فِي الْوَقْتَيْنِ جَمِيعًا وَهُوَ بِمَنْزِلَة تَبْدِيل الصِّحَّة بِالْمرضِ وَالْمَرَض بِالصِّحَّةِ وتبديل الْغنى بالفقر والفقر بالغنى فَإِن ذَلِك ابتلاء بِالطَّرِيقِ الَّذِي قُلْنَا إِلَيْهِ أَشَارَ الله تَعَالَى فِيمَا أنزلهُ على نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ {إِنَّا خلقنَا الْإِنْسَان من نُطْفَة أمشاج نبتليه} وَالثَّانِي أَن ثمَّ النّسخ بعد ذَلِك إِذا انْتَهَت مُدَّة التَّحْرِيم الَّذِي كَانَ مَعْلُوما عِنْد
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute