الشَّارِع النّسخ بَيَان مُدَّة بَقَاء الحكم وَذَلِكَ غيب عَنَّا لَو بَينه لنا فِي وَقت الْأَمر كَانَ حسنا لَا يشوبه من معنى الْقبْح شَيْء فَكَذَلِك إِذا بَينه بعد ذَلِك بالنسخ
وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِك لِأَن النّسخ إِنَّمَا يكون فِيمَا يجوز أَن يكون مَشْرُوعا وَيجوز أَن لَا يكون مَشْرُوعا وَمَعَ الشَّرْع مُطلقًا يحْتَمل أَن يكون موقتا وَيحْتَمل أَن يكون مُؤَبَّدًا احْتِمَالا على السوَاء لِأَن الْأَمر يَقْتَضِي كَونه مَشْرُوعا من غير أَن يكون مُوجبا بَقَاءَهُ مَشْرُوعا وَإِنَّمَا الْبَقَاء بعد الثُّبُوت بِدَلِيل آخر سبق أَو بِعَدَمِ الدَّلِيل المزيل فَأَما أَن يكون ذَلِك وَاجِبا بِالْأَمر فَلَا لِأَن إحْيَاء الشَّرِيعَة بِالْأَمر بِهِ كإحياء الشَّخْص وَذَلِكَ لَا يُوجب بَقَاءَهُ وَإِنَّمَا يُوجب وجوده ثمَّ الْبَقَاء بعد ذَلِك بإبقاء الله تَعَالَى إِيَّاه أَو بانعدام سَبَب الفناء فَكَمَا أَن الإماتة بعد الْإِحْيَاء لَا يكون فِيهِ شَيْء من معنى الْقبْح وَلَا يكون دَلِيل البداء وَالْجهل بعواقب الْأُمُور بل يكون ذَلِك بَيَانا لمُدَّة بَقَاء الْحَيَاة الَّذِي كَانَ مَعْلُوما عِنْد الْخَالِق حِين خلقه وَإِن كَانَ ذَلِك غيبا عَنَّا فَكَذَلِك النّسخ فِي حكم الشَّرْع
فَإِن قيل فعلى هَذَا بَقَاء الحكم قبل أَن يظْهر ناسخه لَا يكون مَقْطُوعًا بِهِ لِأَنَّهُ مَا لم يكن هُنَاكَ دَلِيل مُوجب لَهُ لَا يكون مَقْطُوعًا بِهِ وَلَا دَلِيل سوى الْأَمر بِهِ
قُلْنَا أما فِي حَيَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكَذَلِك نقُول بَقَاءَهُ بعد الْأَمر إِنَّمَا يكون باستصحاب الْحَال لجَوَاز نزُول الْوَحْي بِمَا ينسخه وَيبين بِهِ مُدَّة بَقَائِهِ إِلَّا أَن الْوَاجِب علينا التَّمَسُّك بِمَا ظهر عندنَا لَا بِمَا هُوَ غيب عَنَّا فَمَا لم تظهر لنا مُدَّة الْبَقَاء بنزول النَّاسِخ يلْزمنَا الْعَمَل بِهِ وَكَذَلِكَ بعد نزُول النَّاسِخ قبل أَن يعلم الْمُخَاطب بِهِ
وَهُوَ نَظِير حَيَاة الْمَفْقُود بَعْدَمَا غَابَ عَنَّا فَإِنَّهُ يكون ثَابتا باستصحاب الْحَال لَا بِدَلِيل مُوجب لبَقَائه حَيا وَلَكنَّا نجعله فِي حكم الْأَحْيَاء بِنَاء على مَا ظهر لنا حَتَّى يتَبَيَّن انْتِهَاء مُدَّة حَيَاته بِظُهُور مَوته فَأَما بعد وَفَاة الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام