للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا يجوز ذَلِك فِي مَعَاني الْأَخْبَار على مَا قَررنَا

وَإِنَّمَا مَحل النّسخ الْأَحْكَام الْمَشْرُوعَة بِالْأَمر وَالنَّهْي مِمَّا يجوز أَن لَا يكون مَشْرُوعا وَيجوز أَن يكون مَشْرُوعا موقتا

وَذَلِكَ يَنْقَسِم أَرْبَعَة أَقسَام قسم مِنْهُ مَا هُوَ مؤبد بِالنَّصِّ وَقسم مِنْهُ مَا يثبت التَّأْبِيد فِيهِ بِدلَالَة النَّص وَقسم مِنْهُ مَا هُوَ موقت بِالنَّصِّ

فَهَذِهِ الْأَقْسَام الثَّلَاثَة لَيْسَ فِيهَا احْتِمَال النّسخ أَيْضا وَإِنَّمَا احْتِمَال النّسخ فِي الْقسم الرَّابِع وَهُوَ الْمُطلق الَّذِي يحْتَمل أَن يكون موقتا وَيحْتَمل أَن يكون مُؤَبَّدًا احْتِمَالا على السوَاء

فَأَما بَيَان الْقسم الأول فِي قَوْله تَعَالَى {وجاعل الَّذين اتبعوك فَوق الَّذين كفرُوا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة} فَفِيهِ تنصيص على التَّأْبِيد وَكَذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى {خَالِدين فِيهَا أبدا} لِأَن بعد التَّنْصِيص على التَّأْبِيد بَيَان التَّوْقِيت فِيهِ بالنسخ لَا يكون إِلَّا على وَجه البداء وَظُهُور الْغَلَط وَالله تَعَالَى يتعالى عَن ذَلِك

وَمَا ثَبت التَّأْبِيد فِيهِ بِدلَالَة النَّص فبيانه فِي الشَّرَائِع بَعْدَمَا قبض رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُسْتَقرًّا عَلَيْهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا احْتِمَال النّسخ لِأَن النّسخ لَا يكون إِلَّا على لِسَان من ينزل عَلَيْهِ الْوَحْي وَقد ثَبت بِدَلِيل مَقْطُوع بِهِ أَن رَسُول الله خَاتم النَّبِيين وَأَنه لَا نسخ لشريعته فَلَا يبْقى احْتِمَال النّسخ بعد هَذِه الدّلَالَة فِيمَا كَانَ شَرِيعَة لَهُ حِين قبض

وَنَظِيره من الْمَخْلُوقَات الدَّار الْآخِرَة فقد ثَبت بِدَلِيل مَقْطُوع بِهِ أَنه لَا فنَاء لَهَا

وَأما الْقسم الثَّالِث فبيانه فِي قَول الْقَائِل أَذِنت لَك فِي أَن تفعل كَذَا إِلَى مائَة سنة فَإِن النَّهْي قبل مُضِيّ تِلْكَ الْمدَّة يكون من بَاب البداء ويتبين بِهِ أَن الْإِذْن الأول كَانَ غَلطا مِنْهُ لجهله بعاقبة الْأَمر والنسخ الَّذِي يكون مُؤديا إِلَى هَذَا لَا يجوز القَوْل بِهِ فِي أَحْكَام الشَّرْع وَلم يرد شرع بِهَذِهِ الصّفة

فَأَما الْقسم الرَّابِع فبيانه فِي الْعِبَادَات الْمَفْرُوضَة شرعا عِنْد أَسبَاب جعلهَا الشَّرْع سَببا لذَلِك فَإِنَّهَا تحْتَمل التَّوْقِيت نصا يَعْنِي فِي الْأَدَاء اللَّازِم بِاعْتِبَار الْأَمر وَفِي الْأَسْبَاب الَّتِي جعلهَا الله تَعَالَى سَببا لذَلِك فَإِنَّهُ لَو قَالَ جعلت زَوَال الشَّمْس سَببا لوُجُوب صَلَاة الظّهْر عَلَيْكُم إِلَى وَقت كَذَا كَانَ مُسْتَقِيمًا وَلَو قَالَ جعلت شُهُود الشَّهْر سَببا لوُجُوب الصَّوْم عَلَيْكُم إِلَى وَقت كَذَا كَانَ مُسْتَقِيمًا

وَهَذَا كُله فِي الأَصْل مِمَّا يجوز أَن يكون

<<  <  ج: ص:  >  >>