آخر لِأَن فِي التَّنَاقُض مَا يُؤَدِّي إِلَى تنفير النَّاس عَن قبُوله {غير الله لوجدوا فِيهِ اخْتِلَافا كثيرا} فَبِهَذَا يتَبَيَّن أَن أحد النَّوْعَيْنِ يتأيد بِالْآخرِ وَلَا يتَمَكَّن فِيمَا بَين النَّوْعَيْنِ تنَاقض وَالْقَوْل بِجَوَاز نسخ السّنة بِالْكتاب وَالْكتاب بِالسنةِ يُؤَدِّي إِلَى هَذَا
وَحجَّتنَا فِي ذَلِك من أَصْحَابنَا من اسْتدلَّ بقوله تَعَالَى {كتب عَلَيْكُم إِذا حضر أحدكُم الْمَوْت إِن ترك خيرا الْوَصِيَّة للْوَالِدين والأقربين} فَفِي هَذَا تنصيص على أَن الْوَصِيَّة للْوَالِدين والأقربين فرض ثمَّ انتسخ ذَلِك بقوله عَلَيْهِ السَّلَام لَا وَصِيَّة لوَارث وَهَذِه سنة مَشْهُورَة
وَلَا يجوز أَن يُقَال إِنَّمَا انتسخ ذَلِك بِآيَة الْمَوَارِيث لِأَن فِيهَا إِيجَاب حق آخر لَهُم بطرِيق الْإِرْث وَإِيجَاب حق بطرِيق الْإِرْث لَا يُنَافِي حَقًا آخر ثَابتا بطرِيق آخر وَبِدُون الْمُنَافَاة لَا يثبت النّسخ
وَلَا يجوز أَن يُقَال لَعَلَّ ناسخه مِمَّا أنزل فِي الْقُرْآن وَلَكِن لم يبلغنَا لانتساخ تِلَاوَته مَعَ بَقَاء حكمه لِأَن فتح هَذَا الْبَاب يُؤَدِّي إِلَى القَوْل بِالْوَقْفِ فِي جَمِيع أَحْكَام الشَّرْع فَإِنَّهُ يُقَال مَا من حكم إِلَّا ويتوهم فِيهِ أَن يكون ناسخه قد نزل ثمَّ لم يبلغنَا لانتساخ تِلَاوَته وَمَعَ ذَلِك يُؤَدِّي هَذَا إِلَى مَذْهَب الروافض فَإِنَّهُم يَقُولُونَ قد نزلت آيَات كَثِيرَة فِيهَا تنصيص على إِمَامَة عَليّ وَلم يبلغنَا ذَلِك وَيَقُولُونَ إِن لظَاهِر مَا نزل من الْقُرْآن بَاطِنا لَا نعقله وَقد كَانَ يعقله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأهل بَيته فيزعمون أَن كثيرا من الْأَحْكَام قد خَفِي علينا وَيجب الرُّجُوع فِيهَا إِلَى أهل الْبَيْت للوقوف على ذَلِك وَقد أجمع الْمُسلمُونَ على بطلَان القَوْل بِهَذَا فَكل سُؤال يُؤَدِّي إِلَى القَوْل بذلك فَهُوَ سَاقِط
وَلَكِن هَذَا الِاسْتِدْلَال مَعَ هَذَا لَيْسَ بِقَوي من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن فِي آيَة الْمَوَارِيث تنصيصا على تَرْتِيب الْإِرْث على وَصِيَّة مُنكرَة فَإِنَّهُ قَالَ {من بعد وَصِيَّة يُوصي بهَا أَو دين} وَالَّتِي كَانَت مَفْرُوضَة من الْوَصِيَّة هِيَ الْوَصِيَّة الْمَعْهُودَة الْمعرفَة بِالْألف وَاللَّام فَإِنَّهُ قَالَ {الْوَصِيَّة للْوَالِدين} فَلَو كَانَت تِلْكَ الْوَصِيَّة بَاقِيَة عِنْد نزُول آيَة الْمَوَارِيث لَكَانَ فِيهَا تَرْتِيب الْمِيرَاث على الْوَصِيَّة الْمَعْهُودَة وَفِي التَّنْصِيص على تَرْتِيب الْإِرْث على
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute