مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ فِي تَقْدِير الْجعل لراد الْآبِق من مسيرَة سفر بِأَرْبَعِينَ درهما لِأَنَّهُ قَول بِخِلَاف الْقيَاس وَهُوَ إِطْلَاق الْفَتْوَى مِنْهُ فِيمَا لَا يعرف بِالْقِيَاسِ فتتعين جِهَة السماع
فَإِن قيل هَذَا الْمَعْنى يُوجد فِي قَول التَّابِعِيّ فَإِنَّهُ لَا يظنّ المجازفة فِي القَوْل بالمجتهد فِي كل عصر وَلَا يجوز حمل كَلَامه على الْكَذِب قصدا وَمَعَ ذَلِك لَا تتَعَيَّن جِهَة السماع لفتواه عِنْد الْإِطْلَاق حَتَّى لَا يكون حجَّة فِيمَا لَا يسْتَدرك بِالْقِيَاسِ كَمَا لَا يكون حجَّة فِيمَا يعرف بِالْقِيَاسِ
قُلْنَا قد بَينا أَن قَول الصَّحَابِيّ يكون أبعد عَن احْتِمَال الْغَلَط وَقلة التَّأَمُّل فِيهِ من قَول غَيره ثمَّ احْتِمَال اتِّصَال قَوْلهم بِالسَّمَاعِ يكون بِغَيْر وَاسِطَة فقد صحبوا من كَانَ ينزل عَلَيْهِ الْوَحْي وسمعوا مِنْهُ وَاحْتِمَال اتِّصَال قَول من بعدهمْ بِالسَّمَاعِ يكون بِوَاسِطَة النَّقْل وَتلك الْوَاسِطَة لَا يُمكن إِثْبَاتهَا بِغَيْر دَلِيل وبدونها لَا يثبت اتِّصَال قَوْله بِالسَّمَاعِ بِوَجْه من الْوُجُوه فَمن هَذَا الْوَجْه يَقع الْفرق بَين قَول الصَّحَابِيّ وَبَين قَول من هُوَ دونه فِيمَا لَا مدْخل للْقِيَاس فِيهِ
فَإِن قيل قد قُلْتُمْ فِي الْمَقَادِير بِالرَّأْيِ من غير أثر فِيهِ فَإِن أَبَا حنيفَة قدر مُدَّة الْبلُوغ بِالسِّنِّ بثماني عشرَة سنة أَو سبع عشرَة سنة بِالرَّأْيِ وَقدر مُدَّة وجوب دفع المَال إِلَى السَّفِيه الَّذِي لم يؤنس مِنْهُ الرشد بِخمْس وَعشْرين سنة بِالرَّأْيِ وَقدر أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد مُدَّة تمكن الرجل من نفي الْوَلَد بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا بِالرَّأْيِ وَقدر أَصْحَابنَا جَمِيعًا مَا يطهر بِهِ الْبِئْر من النزح عِنْد وُقُوع الْفَأْرَة فِيهِ بِعشْرين دلوا فَهَذَا يتَبَيَّن فَسَاد قَول من يَقُول إِنَّه لَا مدْخل للرأي فِي معرفَة الْمَقَادِير وَأَنه تتَعَيَّن جِهَة السماع فِي ذَلِك إِذا قَالَه صَحَابِيّ
قُلْنَا إِنَّمَا أردنَا بِمَا قُلْنَا الْمَقَادِير الَّتِي تثبت لحق الله ابْتِدَاء دون مِقْدَار يكون فِيمَا يتَرَدَّد بَين الْقَلِيل وَالْكثير وَالصَّغِير وَالْكَبِير فَإِن الْمَقَادِير فِي الْحُدُود والعبادات نَحْو أعداد الرَّكْعَات فِي الصَّلَوَات مِمَّا لَا يشكل على أحد أَنه لَا مدْخل
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute