للرأي فِي معرفَة ذَلِك فَكَذَلِك مَا يكون بِتِلْكَ الصّفة مِمَّا أَشَرنَا إِلَيْهِ فَأَما مَا استدللتم بِهِ فَهُوَ من بَاب الْفرق بَين الْقَلِيل وَالْكثير فِيمَا يحْتَاج إِلَيْهِ فَإنَّا نعلم أَن ابْن عشر سِنِين لَا يكون بَالغا وَأَن ابْن عشْرين سنة يكون بَالغا ثمَّ التَّرَدُّد فِيمَا بَين ذَلِك فَيكون هَذَا اسْتِعْمَال الرَّأْي فِي إِزَالَة التَّرَدُّد وَهُوَ نَظِير معرفَة الْقيمَة فِي الْمَغْصُوب والمستهلك وَمَعْرِفَة مهر الْمثل وَالتَّقْدِير فِي النَّفَقَة فَإِن للرأي مدخلًا فِي معرفَة ذَلِك من الْوَجْه الَّذِي قُلْنَا وَكَذَلِكَ حكم دفع المَال إِلَى السَّفِيه فَإِن الله تَعَالَى قَالَ {فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا فادفعوا إِلَيْهِم أَمْوَالهم} وَقَالَ {وَلَا تَأْكُلُوهَا إسرافا وبدارا أَن يكبروا}
فَوَقَعت الْحَاجة إِلَى معرفَة الْكَبِير على وَجه يتَيَقَّن مَعَه بِنَوْع من الرشد وَذَلِكَ مِمَّا يعرف بِالرَّأْيِ فَقدر أَبُو حنيفَة ذَلِك بِخمْس وَعشْرين سنة لِأَنَّهُ يتَوَهَّم أَن يصير جدا فِي هَذِه الْمدَّة وَمن صَار فَرعه أصلا فقد تناهى فِي الْأَصْلِيَّة فيتيقن لَهُ بِصفة الْكبر وَيعلم إيناس الرشد مِنْهُ بِاعْتِبَار أَنه بلغ أشده فَإِنَّهُ قيل فِي تَفْسِير الأشد الْمَذْكُور فِي سُورَة يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّه هَذِه الْمدَّة وَكَذَلِكَ مَا قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد فَإِنَّهُ يتَمَكَّن من النَّفْي بعد الْولادَة بساعة أَو ساعتين لَا محَالة وَلَا يتَمَكَّن من النَّفْي بعد سنة أَو أَكثر فَإِنَّمَا وَقع التَّرَدُّد فِيمَا بَين الْقَلِيل وَالْكثير من الْمدَّة فَاعْتبر الرَّأْي فِيهِ بِالْبِنَاءِ على أَكثر مُدَّة النّفاس
فَأَما حكم طَهَارَة الْبِئْر بالنزح فَإِنَّمَا عَرفْنَاهُ بآثار الصَّحَابَة فَإِن فَتْوَى عَليّ وَأبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنْهُمَا فِي ذَلِك مَعْرُوفَة مَعَ أَن ذَلِك من بَاب الْفرق بَين الْقَلِيل من النزح وَالْكثير وَقد بَينا أَن للرأي مدخلًا فِي معرفَة هَذَا كُله فِي قَول ظهر عَن صَحَابِيّ وَلم يشْتَهر ذَلِك فِي أقرانه فَإِنَّهُ بَعْدَمَا اشْتهر إِذا لم يظْهر النكير عَن أحد مِنْهُم كَانَ ذَلِك بِمَنْزِلَة الْإِجْمَاع وَقد بَينا الْكَلَام فِيهِ وَمَا اخْتلف فِيهِ الصَّحَابَة فقد بَينا أَن الْحق لَا يعدو أقاويلهم حَتَّى لَا يتَمَكَّن أحد من أَن يَقُول بِالرَّأْيِ قولا خَارِجا عَن أقاويلهم وَكَذَلِكَ لَا يشْتَغل بِطَلَب التَّارِيخ بَين أقاويلهم ليجعل الْمُتَأَخر نَاسِخا للمتقدم كَمَا يفعل فِي الْآيَتَيْنِ والخبرين لِأَنَّهُ لما ظهر الْخلاف بَينهم وَلم نجز المحاجة بِسَمَاع من صَاحب الْوَحْي فقد انْقَطع احْتِمَال التَّوْقِيف فِيهِ وَبَقِي مُجَرّد القَوْل بِالرَّأْيِ والرأي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute